لغز
للوالد اهتمامه الخاص بالسباكة، وله طرقه الفنية في عمل التمديدات. وغالبا هو الذي يشرف على أعمال السباكة بنفسه بدون ملل أو كلل؛ فالمسألة بالنسبة له متعة.
يقضي الساعات الطوال مع العمال لا يغيب عنهم إلا في أوقات الوجبات والصلوات، ولا أعتقد أن العمال يشتغلون بقدر ما يأكلون؛ لأنَّ الوالد لا يتوقف عن تقديم ما لذَّ وطاب لهم، لهذا فالوالدة وبثينة ومعهم الخادمة في حالة استنفار يجهزون لهم الطلبات، والوالد يحمل الصواني ذهابًا وإيابًا بين العمال والمطبخ، والغالب أن حجم الطلبات يفوقُ القدرةَ الإنتاجية للمطبخ، لهذا يحتدم الجدال وتعلو الصيحات ثم ينسحب الوالد من بينهم بكل هدوء بعد أن تأكد بأنهم بالفعل قدموا كل ما بوسعهم. أما بالنسبة لنا جميعا فسباكة البيت أحد الأسرار التي لم يكشف عنها النقاب؛ المحابس موزعة في أماكن مختلفة يصعب على الإنسان العثور عليها؛ لأنَّ البعض منها تحت الأرض وفي مخابئ، وأحيانا خارج حدود المنزل.
في إحدى المرات توقف الماء عن الطابق العلوي، فقمت بفتح جميع المحابس ولم يحدث شيء وأغلقتها ولم يحدث شيء أيضا!! نعم إن السباكة لغز لا يستطيع فك رموزه غير الوالد. الخزانات تصب في بعضها، والمضخة تعمل على مدار الساعة ومع ذلك تُفاجَأ بأنَّ الماءَ مقطوعٌ، ثم يأتي الوالد و بحركة تلقائية و بسيطة يشبك طرفي خرطوم ماءٍ مرميّ على الأرض، -وبقدرة قادر- تعود المياه والحياة إلى البيت. أحيانًا أشعر أنَّ البيتَ يُشبه أحد معامل أرامكو، أو مفاعل مُعدّ للأغراض السلمية …!