موسم المواسم
ينفتح البابُ ويردع بالمسند الأخضر، ويوضع السرير في آخر الغرفة، وتتحول غرفة الطعام إلى معملٍ لتنقية التمور، تجلس أمي على كرسي تُراقب و تشجع وتعطي التوجيهات وأحيانا تستلقي على السرير وهي متكئة برأسها على يدها اليمنى، وهناك كل من: أمي عائشة ومريم ، عائشة الربيعة و شريفة السويعي يجلسن على الأرض حول طاولة خشبية مرتفعة قليلًا عن الأرض ينثر عليها التمر ، يتجاذبن الأحاديث ويمارسنَ هواية فرز التمور.
أحيانًا شريفة السويعي تطلق بعض النكات التي في أغلب الأحيان تتجاوز حدود اللياقة الأدبية فتتدخل أمي لتوقف سيل هذه الكلمات المضحكة والمتطايرة. أمي فاطمة لا تشارك في الفرز مشاركة فعلية، وإنما تتولى الأمور المُتعلّقَة بالشاي والقهوة والترحيب بالقادمين مُحاولةً تقمص شخصية الوالدة كلما استطاعت إلى ذلك سبيلا، ولديها بعض الكلمات التعقيبية الجاهزة، التي هي في الغالب تصلح لأيّ موضوع، تستخدمها؛ لغرض المشاركة بدون أن تكلف نفسها عناء التفكير، في تلك الأيام كانت تستعد لزواج إحدى حفيداتها وعندما سألوها قالت: “نعم إنني جاهزة لم يبقَ عليّ سوى تدهن الرجول !” أمي عائشة تعمل بإخلاص، وأمي مريم تعمل بسرعة وإنجاز، أما عائشة الربيعة فهي لا هذه ولا تلك . وفي أحد الأيام شاهدت عائشة الربيعة وقد جلست على ذلك الحصير البلاستيكي الأخضر ، وفجأةً أخذت تزحف وهي في وضع الجلوس، تستنجد وتستغيث بصوتٍ خفيٍّ ومبحوح !. يا لَلهول! ما ذا جرى لها؟! لقد قرصها قروص، وما أدراك ما القروص. عندها أرسلت أمي رسالة استغاثة -عبر الأثير- مدويةً في إرجاء الصالة، وعلى الفور نوديت الخادمة (خمسيا)؛ لتأخذها إلى مكان آخر؛ لتنفضها وتخلصها من ذلك القروص المارد، ولا ندري أيهما اعتدى على الآخر القروص أم هي؟! فلم يعثر على القروص، ولكن على الأقل لم يعد يختبئ في مكانٍ ما في جسدها وعادت أدراجها إلى الحلقة؛ لتواصل المسيرة تحت ترحيب وتعاطف من الجميع. وأمي فاطمة تتحسب وتدعو على ذلك القروص وهي تضحك لترفع من معنوياتها وإن كانت تخلط ذلك بقليل من السخرية البريئة.
وبين الحين والآخر تهبط عليهن بثينة وتجلس القرفصاء على الطاولة في مكان محوري، ترحب بهن وتشاركهن في الحديث، وتلتفت اليهن أحيانا مبديةً رأيًا ما، في التمر ، فلديها نظرة فاحصة و ثاقبة وهي لا تجامل في هذا الأمر ، وعند الظهيرة تطوف عليهن حبيبة؛ لتُشارك فِعليًا وذهنيًا بالرأي والمشورة، أما الوالدُ فيمرّ عليهن مرور الكرام ومن بعيد يقوم بتوجيه بعض العبارات الفضفاضة إلى شريفة السويعي؛ ليجعلها تشعر بأنها بالفعل أستاذة التمر، وهو الوصف الذي يروق لها أن تسمعه.