الجلال العنـــــــابي
التاسعة صباحًا واليوم أحد أيام الأسبوع الاعتيادية، والوالدة قد لبست الجلال العنابي المنقط، وجلست واتخذت لها موقعًا استراتيجيا يمكنها من الاطلاع عن كثب على جميع ما يدور في الصالة. والتلفون عن يمينها وتستمع لإذاعة القران الكريم و تسبح وتهلل معها ، والنور ينبعث من وجهها المشرق وكأنها الشمس وضحاها، والخادمة (خمسيا) تجوب أرجاء المنزل مبتسمة، ومرفوعة الرأس وكأنها أحد الجواري في قصر هارون الرشيد، وتمر أمي فاطمة عابرةً وتلتفت إلينا نصف التفاتة وكأنها تمشي على السجاد الأحمر لتستعرض حرس الشرف، ثم تغلق الخادمة (جهيتي) باب المطبخ؛ وهي إشارة إلى أنَّ وقت طحن القهوة أو عصر العصير قد أصبح وشيكا ، فيدخل الوالد ويحيينا جميعا ثم يجلس، فألتفتُ إليه وأسأله عن حاله؛ فيرد على الفور: لا تسأل عني! إذا كانت هذه المرأة بخير فأنا بخير. ربما الوالد يعرف المثل الذي يقول “إذا أردت أن يرضى عنك أولادك اجعلهم يشعرون بحبك لأمهم … !” والوالدة تبتسم وتلتفت إليه وتقول لقد شبعنا من هذا الكلام. ثم أسأل الوالدة عن حالها؛ فيرد هو ويقول لا تسأل عنها، إنها صحيحة جحيحة. لا أعرف ما أصل هذه الكلمة! وكل ما أعرفه أنها مصطلحا خاصا بالوالد.
في إحدى المرات حضر الوالد أحدية الدكتور راشد المبارك، وكانوا يناقشون في الشعر الحر فقال: إن هذا ليس شعرًا وانما هو عبارة عن شماطيط. فضحك الجميع وقالوا سندوِّن هذا المصطلح العجيب.
وعودة على مجلس الوالدة فقد سمعنا فجأةً صوتَ خطوات الأخت بثينة وهي تهبط من السلم وتحيينا وتسأل: ماذا تريدون يا جماعة؟ فيقول الوالد: نتمنى أيَّ شيء من يديكِ الكريمتين، ثم تقتحم بثينة المطبخ لتضبط إيقاع العمل هناك، وتتحول الأصوات المزعجة إلى مأكولات ومشروبات منعشة، وما هي إلا لحظات وتعود إلينا بصينيّة محملة بما لذ وطاب. وفي هذا الأثناء نسمع اهتزازًا خفيفًا لباب الخشب الخارجي، و خطوات لأحذيةٍ، لها صوت يشبه الصوتَ الذي يصدر عن احتكاك ، ثم يطل علينا قائلًا: السلام عليكم يا رجال، ويخلع غترته، ويصففها بطريقة فنية، ثم يتجه نحو المكيف؛ ليضبط توجيه الهواء، ويتحسّس البرودةَ، ويسأل وملامحه تبدو غير راضية عن مستوى التبريد، ويقول: متى فتحتم هذا المكيف؟.
منذ فترة أصابت أبا سعد حُمَّى المكيفات، وما تزال تعاوده بين الحين والآخر. بعدها تبدأ بثينة في تقديم الخدمات، وأمي تُعطيها التوجيهات، عن بُعد عن طريق إرسال النظرات؛ لتفهم بثينة ما هو المطلوب. نعم صَدَقَ من قال “الحر تكفيه الإشارة”، ثم تأخذ بثينة نفسًا طويلًا وتهز رأسها وتغمض عينيها وهي تنظر إلى أبي وأمي وتدعو لهم بطول العمر، وتلتفت إلينا وتقول ما رأيكم في هؤلاء القمرين ؟ بعدها يتفرق أعضاء النادي! ليلتقوا في اليوم التالي .