تحميل…
  • 21/8/2022 شوهدت شهب في سماء حائل والقصيم والدوادمي والمدينة يعنقد بانها حطام لينزك وسمعت اصوات لانفجارات ولم يحدد مكانها
  • 1 اغسطس 2022 هطول امطار على الاحساء
  • 9 اغسطس 2022 امطار على سدوس والقرينة وضرما
  • 5 اغسطس امطار ورعود ضربت مدينة الرياض
  • 1 اغسطس امطار ورعود ضربت الرياض
  • 6 اغسطس 2022 سيول وادي حبونه تصل الى الربع الخالي
  • 15 اغسطس 2022 امطار و سيول مستمرة في المدينة المنورة منذ 12 يوم
  • 27 اغسطس 2022 امطار غزيرة وسيول على الامارات وعمان واليمن خلفت اضرار في الممتلكات
  • 28 اغسطس 2022 غيوم كثيفة على الرياض وبقية مناطق الممكة وتوقع هطول اممطار غزيرة ودرجة الحرارة العظمى 39
  • توفي العم عبدالعزيز بن عبدالوهاب بن صالح الموسى (أبو عمر) يوم الاحد 18/3/1427 عن عمر ناهز 69 عاماً رحمه الله تعالى
  • توفي الشاب محمد بن عبدالعزيز الموسى (الاول) في الثاني عشر من شعبان سنة 1410 وولد اخيه محمد (الثاني) في السابع من ذوالحجة سنة 1411
  • تاريخ ولادة الجدة مريم بن عبدالله بن عبدالعزيز العفالق سنة 1300 هجرية طبقاً لما كان يعرف حينها (تذكرة النفوس) رحمها الله تعالى
  • في صبيحة هذا اليوم السابع والعشرون من شهر يونيوه سنة 2022 رزق الابن راشد مولودة اسماها صيتة نسأل الله لها الهداية وان يجعلها قرة أعين لنا
  • توفي الرجل الكريم الوجيه الشيخ عبدالله بن محمد ال الشيخ في 30/3/1424 رحمه الله تعالى
  • توفيت الخالة دلال بن عبدالله الغردقة في الواحد وعشرين من شهر ذو القعدة سنة 1421 رحمها الله تعالى
  • تاريخ ولادة الجدة حبيبة بن عبدالله الغردفة سنة 1330 هجرية طبقاً لما كان يعرف حينها (تذكرة النفوس) رحمها الله تعالى
  • توفي الجد صالح بن محمد الكثير رحمه الله تعالى في فجر يوم عيد الفطر المبارك من عام 1376 هجرية
  • في تاريخ 28/12/1992 سجل الوالد في يومياتة اعلا معدل هطول امطار في يوم واحد حسب محطة غرب مطار الاحساء بلغت 91 ملم
  • حج الوالد عبدالرحمن الموسى (ابو عوف) لاول مرة عام 1363 هجرية وهي الحجة الاولى التي خرجت من الاحساء بالسيارات
  • العم محمد بن احمد بن عبداللطيف الموسى 1310-1406 رخمه الله تعالى
  • العم عبدالرحمن بن عبدالوهاب بن عبدالرحمن الموسى (العمدة) 1919-2006 رحمه الله تعالى
  • ومن عرف الايام معرفتي بها وبالناس ... روّى رمحه غير راحمِ
  • دخلت الكهرباء لاول مرة في بيتنا في حي العيوني في 22 محرم 1381 بتكلفة بلغت 560 ريال
  • العم الشيخ حسين بن عبدالرحمن الموسى رحمه الله تعالى 1285-1366
  • توفي ابن الخال الغالي عبدالرحمن بن سعد الغردقة في 23 سبتمبر 2021 رحمه الله رحمة واسعه
  • في 11 يناير 2020 توفيت امي (من الرضاعة) فاطمة الحادي رحمها الله رحمة واسعة
  • في الرابع من تشرين الثاني من عام 2020 رحل عنا الرجل النقي التقي الدكتور سعد بن عبدالله البراك رحمه الله رحمة واسعة
  • هطلت امطار غزيرة غير متوقعه في يوم الاربعاء 22 يوليو من عام 2020 على الرياض والاحساء وبعض مناطق المملكة
  • توفيت أمي هيا بنت صالح بن محمد ال كثير رحمة الله عليها الساعة 15 :3 من فجر يوم العاشر من شعبان لعام 1438 هجرية الموافق السابع من شهر أيار لعام 2017 ميلادية
  • #تلاوة من #القران_الكريم للوالد رحمه الله تعالى

هبايب … أحب الصالحين ولست منهم

أحب الصالحين ولست منهم …

استمر منصور من سيء الى اسوء ثم صار اشبه ما يكون بشبح يعيش تحت الارض وفي الظلام ..! ام زيد فقد يأس منه بعد ان تقدم به العمر وصار يعاني من امراض مزمنة ولم يعد يفكر في ايجاد حل لاصلاحه.بل ان زيد على الرغم من علمه وثقافته إلا أن نمط حياته المفرط في اكل السكريات والدهون جلب له مرض السكر في سن مبكر.  اما حصة فقد تعبت نفسياً بعد أن علمت بأن زيد قد تزوج بالسر قبل عدة سنوات من إمرأة انجليزية من عائلة محافظة تعرف عليها قبل عدة سنوات في شارع (بورتوبولو) في لندن الذي اشتهر ببيع اثاث الانتيك ثم اسلمت بعد ان تعرفت على زيد بسنتين فقررا الزواج واشترى لها شقة في دبي ولم يخبر حصة ويضعها امام الواقع المرير إلا بعد مرور 3 سنوات ثم انتقلت للعيش في الرياض ولان قد اصبح لدى حصة طبينة اي ضرة، شقراء طويلة ورشيقة لها غمازات في خدودها الوردية.تعلق قلب زيد بها وصار يقضي معظم اوقات المتعة معها ويتفقد حصة بين الحين والاخر او اذا دعت الحاجة.

لم يمارس منصور اي عمل في حياته بل كان يعتمد على المصروف الذي يتلقاه من والده،كان يعلم بأن ابنه شاب وديع طيب القلب مع ذلك فلم يكن يثق به خصوصاً في الامور المتعلقة بالتجارة ويفضل اخاه الاكبر عثمان المهندس الذي تخرج من هارفرد بتفوق.ولطالما حاول مراراً ان يحضى بثقة والده ولكنه لم يكن يتلقى منه سوى ردود بها خليط من الدعابه والاسنخفاف،إذ كان والده يستهين به وفي نفس الوقت يعطف عليه، مع ذلك إستمر مغمور الارادة وملازماً لأبيه الذي مرض و تقدم به السن وتحول من اروسطقراطي فرانكفروني خريج السربون الى شيخ متدين مُسدلاً اللحية يقضي معظم السنة في مكة التي اشترى له فيها منزلاً يعيش فيه مع زوجته الانجليزية التي غيرت اسمها من إيملا الى فاطمة.

بعد أن أفشى زيد سر زواجه الثاني،بطبيعة الحال صُدمت حصة بالخبر ولبست ثياب من الحزن والأسى وصارت تردد بين الحين والاخر عبارات تتحسّر فيها على العمر الذي ضاع مع زيد… ولكن كما هو متوقع الزواج الثاني امراً مألوفاً لدى اهل الطف، رضخت للامر الواقع وصارت تردد : الي ما يبيك لا تبيه …! أم زيد فلم يحاول التخفيف من غيظها او استمالتها على الرغم من المحاولات المتكررة من فبل الاولاد والبنات.لقد إنكفأ زيد على نفسه وابتعد عن زُخرف الحياة وآب الى ربه وانصرف يقضي جُل أوقاته في الحرم يصلي الفروض ويقرأ القرآن ويستمع الى دروس حلقات الوعظ والارشاد لمشائخ الحرم يُنصت فيها الى شرح في كتاب فتح الباري لشيخ الحذيفي او أيسر التفسير لشيخ ابو بكر الجزائري  واحيانا بلوغ المرام في زاوية الشيخ علوي مالكي.

لا تحمل حصة اي شهادة علمية وبالكاد تستطيع قراءة القرآن في الضحى من كل يوم جمعه،جميلة في شبابها لكنها بسيطة ومحدودة في تفكيرها ولم تستفد من الاقامة في باريس وكيمبريج مع زيد عندما كان يدرس هناك. لقد بدت اكبر من عمرها الحقيقي وداهمتها امراض السمنة فأثرت على مفاصلها فقرر زيد ارسالها للعلاج في الخارج لكي تعالج مرض الخشونة في ركبتاها. وتعمد اختيار ابنها منصور مرافقاً لها للعلاج في ميونخ، كمحاولة اخيرة ويائسة بغية انتشاله من هذا البئر الآسن وابعاده عن الرياض وعن تلك الجماعات الغارقة في الوهم والهلوسة .فمن هناك شاءت الاقدار أن يقرر منصور الذهاب للجهاد في افغانستان …! فكرة لم تكن في الحسبان تمخضت من خلال جلسة مع شاب عربي، جرى بينهما حديث تجلت فيه الايمانيات بعد دبيب عدة كؤوس في الاوردة في احدى بارات ميونخ التي يرتادها العرب…!استبشرت حصة عندما عاد ابنها في تلك الليلة وطلب منها السجادة ليصلي ركعتين شكر لله وهو يترنح …! ولكن عندما افضى اليها في اليوم التالي بخبر نيته الذهابه الى افغانستان تلقته بشيء من الدهشة …!

اما زيد الذي علم بالخبر هاتفياً من حصه فلم يكن يساوره الشك حينها بأن وراء الاكمة ما ورائها .. وأن الهدف من وراء ذلك هو الكيف..! لم لا فهو يعرف ابنه جيداً .. فجلس يفكر ويتسائل مع نفسه .. يا ترى كيف لشاب منحرف مثل منصور لديه رهاب بل واضطراب بنيوي في الشخصية ان يقرر فجأة الذهاب للقتال في افغانستان ..! فهل فجأة قذف الله الايمان في قلبه بعد أن أطفأ كل غرائز الانحراف المستعرة في نفسه..! وهل امتدت يد القدر ونزعت من صدره الريبة والهلع والخوف ..! لكن من يعرف منصور لن يجد دليل منطقي بأن الذي زج بهذا الشخص المرتاب الهلوع في ساحات الوغى هو ايمان راسخ قد اضفى عليه ثقة بالنفس وشجاعة لا يصدها صاد. لا احد يستغرب هذا التحول المفاجأ على منحرف يتمتع بصحة نفسية وثقة عالية،كذلك لا غرابة في من يعاني من اضطرابات نفسية بان يُقدم بغتةً على الانتحار .. او ربما يتوجه الى افغانستان ليموت هناك ..!

في نهاية المطاف كل اتساؤلات التي طرحها زيد على نفسه لم تخلص الى نتيجة . كما أن صلوات منصور وبحة على مرأى ومسمع من امه وكذلك حجم التوبة في نبرة صوته، شفعت له في عين امه والتي بدورها بددت مخاوف زيد الى الحد الذي جعلته لا يعارض فكرة السفر الى افغانستان.حينها تحقق لمنصور ما كان دوماً يُمنّي نفسه به جهاد يُخلِصهُ من ذنوبه او يموتُ شهيداً في سبيل الله.ثم صار يدعو اخوتة و واقرابائة الى ذلك .

عندما وصل منصور افغانستان أول مرة هو وصديقه الفلسطيني مكثوا فيما يسمى (دار الضيافة) الخاص بالمجاهدين العرب استعدادا للاتحاق بجبهات القتال.خلال هذه الفترة يتلقى القادمين الجدد جرعات ايمانية من بعض رموز وقيادات الجهاد في افغانستان ايضاً بين الحين والاخر يأتي بعض المشائخ من السعودية ودول عربية اخرى لتقديم المحاضرات عن فضل الجهاد في سبيل الله. لم يكن منصور حزبي او ينتمي الى تيار حركي كتيار الاخوان او جبهة التحرير  وانما كان سلفياً بامتياز همه الاول العقيدة الصافية والكتاب والسنة متبعاً في ذلك فتاوي الشيخ ابن باز وابن عثيمين ولا يريد التفكير في سوى الجهاد او الاستشهاد. حتى عندما غادر منصور (دار الضيافة) وانضم الى احد الجبهات واصيب بشضية في كتفه الايمن نتج عنها اصابة بالغه لم تُثنس عزيمته عن مواصلة الجهاد سوى خبر وفاة أخيه الاصغر نايف في حادث سيارة في جدة جاءه مدوياً وهز كيانه. أما زيد فحزن حزناً شديداً على وفاة ابنه نايف فتدهورت صحتة واستفحل معه داء مرض السكر وصار يتوجب عليه أخذ جرعات الانسولين عن طريق الوريد الامر الذي سبب له شبه إعاقة في المشي.حصة كانت أكثر رباطة جأش من زوجها ولم تكن تعاني من امراض مزمنة ولكن قلبها تقطع لفراق إبنها الصغير.

كان منصور يشم رائحة (الزقارة) وهي تدور بين بعض الافغان، ولكن رحابة الايمان التي قذفها الله في صدره اعطته مناعةً وباعدت بينه وبين الرجوع الى ماضيه البائس. كما ان اثار الاصابة اعتبرها شاهداً له امام الله بأنه قد نال احدى الحسنيين، وهي القتال في سبيل والمشاركة في النصر الذي تحقق لاحقاُ. لكنه بات يتردد على افانستان ليس للقتال بل لجمع التبرعات والتزود بجرعات ايمانية، فكلما طالت اقامته في الرياض واحس بالفتور او بالتثاقل في العبادات اشترى تذكرة طيران مخفضة من قبل مكتب دعم الجهاد الافغاني وسافر الى بيشاور. بعد ثلاث سفرات تراخى عزم منصور مبرراً لنفسه البقاء في الرياض لجمع التبرعات طبقاً للحديث الشريف (من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا) في تلك الاثناء تزوج منصور بمساعده من والده واستمر يعيش هو وزوجتة على نفقة والده وضل مرافقاً له خصوصاً بعد ان استشرى به مرض السكري فصار جسمه هزيلاً ويابساً وبحاجة الى مرافق. المرض والتقدم في السن والخشية من المنية،جعلت من زيد متديناً لم لا وهو وقد تجاوز السبعين وفقد عنفوان الشباب وخفت البريق في عينيه ولم يسلم من امراض الشيخوخة، فاستعان بعصى يتوكأ عليها،ولم يعد كما كان بهياً وجيهاً له صولات وجولات في ميادين الاعمال وفي المناسبات. اطلق لحيته وصار عابداً ناسكاً يقضي اسابيع واحياناً اشهر من السنة في المسجد الحرام.

انشغل منصور بزوجته وبمرافقة والده ولم يعد الجهاد في افغانستان يشكل ملاذاً آمناً له وصار لديه اصدقاء جدد من الشباب الملتزمون مع ذلك لا زال يشعر بحنين لايام الجهاد على الرغم من الصعوبات وشظف العيش هناك،فلم يكن طعامهم آنذاك سوى خبز افغاني وشاي بالحليب مع ذلك كان يشعر براحة نفسية ولياقة بدنية لم يعدها من قبل بل كان يعزوها الى هبه من الله منحها له مكافأةً لجهاده في سبيله.

بقي منصور كما يقال رجل في الفي وأخرى في الشمس، يُعاوده الفتور كما تعاود الحمى مريض الطاعون..! فهو ليس من اصحاب الارادات الصلبة،متقلب وسريع الانجراف، لذلك بين الحين والاخر يلجأ الى الدعاء وقراءة الورد اتباعاُ لسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم. يراوده هاجس اخر وهو الشعور بالتقصير في جانب الوالدين وحاجة والده المريض له. صار لصيقاً لوالده بل مع الوقت اصبح ملاذاً له في كل شيء، فلم يسبق له أن اعتمد على نفسه بل صار يعتريه خوف من الوحدة ومن مواجهة الحياة بمفردة، حالة اشبه ما تكون بالبرانويا. يردد دائماً بان ذهابه الى الجهاد في افغانستان كان خوفاً من الموت بلا عمل صالح يقابل فيه ربه. مع ذلك لبس احرامه واتجه في الصباح الباكر الى مطار الرياض قاصداً والده في مكة.لم يكن لديه حجز مسبق فسجل انتظار مع الكثير من المنتظرين جلهم شباب بثياب الاحرام وبلحى مرخاه ذوي ملاح فيها استقامة ووقار ملفت لنظر. اكتشف من بينهم من كانوا معه في افغانستان، فدار الحديث بينهم عن هموم الجهاد وعن الخلافات التي بين زعماء فصائل الافغان، مطمئنين بعضهم البعض بأن هذ المسألة سوف تُحسم وتنتهي فالهدف الاسما سوف يوحدهم وإن كانوا جميعاً لا يخفون تعاطفهم مع عبد رب الرسول سيّاف.حصل الجميع مقاعد وصعدوا الطائرة التي هبطت في مطار جدة بعد الاقلاع من الرياض بساعتين  تقريباً. عندما كان ينتظر الحقائب عند سير العفش في مطار جدة صادف وصولهم مع قدوم طائرة من كراتشي، وكعادتة صار يُبحلق في القادمين فصادف من بين الركاب صديق له ورفيق جهاد ومن بلدتة (الطف) اسمه مشاري. تعانقا بحرارة وتبادلا التبويس مع عبارات الترحيب والدعاء ولكنه لاحظ مشاري على غير العادة متكلف في الحديث ويتصنع الابتسامة، إختارا لهما  كرسي طويل في بهو المطار وهما يتبادلان عبارات الاشتياق والترحيب فسأله منصور : فيه شيء مضايقك يا مشاري ..؟ لا أبداً بس تعرف المشوار طويل ومتعب من بشاور الى كراتشي الى جدة … وانت من وين جاي..؟ انا من الرياض … أها أجل طلعت من البيت بدري..؟ أي والله ما كان عندي حجز قلت أبكر أحسن …وكيف الوالد يا منصور ؟ الوالد طيب ليه انت قد قابلتة..؟ لا بس مجرد سؤال …أجل ما كان أحد صاحي لما طلعت من البيت في الرياض..؟ لا بس الوالدة صلت الفجر ثم صفّرت وما حبيت اصحيها علشان أودعها  والوالد في مكة مع حرمتة الثانية .. يعني كم كانت الساعه لما طلعت من البيت..؟ الساعه ستة تقريباً .. اسمع يا مشاري ترى أسألتك بدت تدخل فيني الشك..! لا أبداً ما فيه شيء بس قضينا من السلام على بعض والعفش طول ما جاء قلت اشغل الوقت بالسواليف .. تكفى علمني اذا في أخوي عبدالرحمن .. سكت مشاري برهه .. مشاري قل لي أخوي اصيب وإلا أستشهد..؟ لا كذا ولا كذا اخوك نام في دار الضيافة وما قام من نومه وإن شاء الله إنه قدم الى خير وعندي خبر ان فيه أحد بلّغ الوالد .. وضع منصور رأسه بين يديه ودخل في موجة بكاء أثار حفيظة الناس في الصالة بينما ضمه مشاري الى جنبه محاولا التخفيف عنه مردداً: ان شاء الله شهيد… كررها مرارا … حتى ولم يجاهد فهو قد عقد النيه وإنما الاعمال بالنيات، ولكن استمر منصور في البكاء والتم حوله بعض الفضوليين يرددون آيات واحاديث وعبارات .. هذا يومه … ما احد باقي الموت حق .. بشره بالخير مات في ارض الجهاد .. نهض منصور من مكانه بعد أن تراخت موجة البكاء يخطو منكسراً مطأطأً برأسه وقد احضر له مشاري حقائبة ثم التفت اليه  والدموع تنهمر من عينيه وسأله : طيب والجثمان..؟ الخبر الي جاني إن الوالد بلغ الشخص الي اتصل عليه وقال له ادفنوه هناك في بشاور .. لا حول ولا قوة إلا بالله يعني ما حنا شافينه ولا مغسلينه ..!  طبطب مشاري على كتفه  وودعه. ركب سيارة أجرة متجهاً الى مكة وبات يُفكر فهو الذي شجع عبدالرحمن على السفر الى افغانستان، كذلك بات يُفكر في حال والده المريض ووالدتة اللذان فقدا أخيه نايف قبل شهرين. إتجه فوراً الى بيت ابيه ولم يُفكر حتى في أخذ عمره فشاهده ممداً على كنبه طويله وزوجتة الانجليزية جالسة على الارض يدها فوق رأسه والاخرى تمسح دموعه بمنشفة صغيرة. اختلط بكاء الثلاثة بعبارات تحبسها الانفاس في الحلوق، بينما شرعت فاطمة تردد وتحثهم على الصبر والدعاء له.

لم يكن شارع الاحساء في الرياض حينها مزدحماً عندما توقف منصور عند الاشاره، ممسكا بالمقود وهو شارد الذهن غافل عما حوله وهو مطبق الجفنين قليلا، منتظرا الضوء الاحمر بملل. فتنفس بزفرة ملل .. ثم ثبت الراديو على اذاعة القران الكريم، وصار يصغي اليها بنصف اذن. في تلك اللحظة التي فتحت فيها الاشاره، سمع منبه سيارة اخرى بجانبه .. فالتفت الى مصدر الصوت، واذا بأعز اصدقائه ممدوح، يقود سيارة شبح كوبيه موديل السنه منادياً له .. منصور .. منصور.. مطوحاً له بيده من النافذة ليتوقف على جنب. سر منصور برؤية صديقه بعد فراق دام عدة سنوات، كان سببه سفر منصور عدة مرات الى افغانستان..! اوقفا سيارتهما بتلهف وبكفرين على الرصيف وتعانقا بطريقه تليق بطول مدة الفراق وبحرارة الموقف .. قبض ممدوح بذقن منصور ممازحاً كيفك يا مولانا مشتاقين وين الغيبات..؟ وانا يعلم الله يا ممدوح اني مشتاق لك بالحيل .. فكنا من الهرج الفاضي .. لو مشتاق على الاقل اتصلت او سألت .. مالك علي يمين انك دائما على بالي .. اتركنا من اليمين والحلفان .. ما لك بالطويلة ايش رايك نجتمع الليله منها ناخذ علومك  ونعيد الذكريات ..! طنت مفردة الذكريات في رأسه .. ثم اردف ممدوح قائلاً .. تكفى يا منصور طالبك قل تمّ .. ايش قلت ..؟ فصارت عينا منصور ترف بسرعه محاولا البحث عن تلفيق عذر .. منصور لا تصير حقنة وقل تم ..؟ نبي نقعد لنا قعده وياك يدور فيها المخ في الراس وتزين السواليف …! مد منصور يده وصافحه مفتعلا  ابتسامه ضاغطا بكفه اليسرى على كتفه الايمن .. اعذرني يالغالي خلها وقت ثاني .. اشلون وقت ثاني اجل وين الي مشتاق يا نصاب ..! باين عليك ما جاز لك كلامي ..! ولا يهمك انا فهمت الي في بالك يا مولانا .. بنخليها علىشانك جلسة شاي وقهوه حتى التدخين ما حنا مدخنين بس تعال ..؟ صدقني  ودي وحريص على شوفتك بس مواعيد نومي متلخبطه هاليومين حتى الحموضه مرتفعه عندي .. ومنذ متى انتظمت مواعيد نومك ..! من عرفتك وساعتك البايولوجيه على توقيت هونكونج وحبوب الحموضة ما تفارق جيبك .. لا بس هاليومين بزياده  .. اوعدك اني احاول … منصور انتبه ترى الوعد مثل الرعد .. ضحك منصور وقال ممازحاً : مادام  كذا اجل اعذرني ما اقدر اعطيك وعد .. اقول (تراك ذبحت ابوك بالودتس) من كثرة اعذارك .. والله ماهي اعذار هذا وضعي هاليومين وانا اشوف خل يصير بينا اتصال على المغربيه .. اكيد وإلا تصريفه .. اكيد .. ماشي ..  بينا الو .. في امان الله.  تفرقا بينما وقف منصور يتابع بعيونه الناعستين حتى اختفى صاحبه عن الانظار ثم حجب عينيه بنظارة شمسية و ركب السيارة الى غير وجهه، محاولا التخلص من هيمنة شعور الاستجابه لموعد ممدوح،والذي لو حصل سوف يكون بمثابة اول شطحه في سجل حياة درج عليها لاكثر من ست سنوات، وعودة لماضٍ حافل بكل اصناف الكيف والسهر صباحي .. ولربما يضع حدا لنهاية نمط حياه، منحته الرضا عن النفس والقرب من الذات الالاهيه .ولكن هذا الشعور لم يكن سببه ممدوح او جاءه فجأة،بل شُيّد بمشقه في داخل نفسه وعلى فترات متقطعه، فتملكه شعور الذي هجر مكان وتاق الى العودة اليه ..! القريبين منه يعرفون بأن حياته متأرجحه ذات اليمين وذات الشمال، لكنه على الاقل يحاول امام الناس اظهار بأن بداخله جوهر سليم ونقي نقاء ماء المطر، يبدي لناس قناعاته دينيه الراسخه لا يتوانا في الدفاع عنها والاعتزاز بها، بارا بوالديه وفياً لاصدقائه، لديه عاطفه دينيه جيّاشة. فلا غرو فمنصور ايضا شاب من طينة البشر، تأسر مخيلته شتى متع الحياة، تعترضها بين الحين والاخر نفسه اللوامه او بالاحرى الحوامة، التي يمنيها بالصفاء والتوبه، فيلازمه الندم في كل مره تفلت منه الوسيله التي قد تحمله الى بر الامان .

لف منصور بالسياره اتجاه شارع جرير فتوقف عند بوفيه وطلب نيس كافيه بالحليب سكر زياده كان قد تعود عليه ايام ضرب المزاج ..! جلس في السياره ورشف رشفه وهو يحملق في الفضاء، فبدأ يشعر بانه حبيس فكره قد لا تتجاوز عالمه الداخلي. ثم سمع اذان الظهر فتوجه الى مسجد قريب في الحاره. خرج من المسجد بعد اداء الصلاه متجهاً لبيت والده الذي كان ينتظره على الغداء، فضبط نفسه متلبسا بالشعور بالندم، فلا يليق بشاب شهم مثله ان يتنصل من دعوة صديق حميم مثل ممدوح، ذلك الصديق الذي تعرف عليه في ايام الصبا المبكر وفزعة الشباب عن طريق اخته الكبرى التي كانت صديقه لاخته. فصار بالنسبة له بمثابة الاخ والصديق الاوحد بل والاقرب الى قلبه. كان زيد ينتظر ابنه منصور الذي جاء متأخرا عن موعد الغداء، اشتم زيد رائحة التبغ في ذقن ابنه عندما قبل رأسه، فعرف انه رجع للتدخين بعد ان اقلع عنه لعدة سنوات، ايضا رواده احساس ان منصور مقبل على تحول طاريء له علاقة بماضيه، سكت زيد فلم يتعود على توجيه الانتقاد او النصح الجارح لابنه منذ ان كان طفلاً، فما بالك اليوم بعد ان تجاوز ابنه الثلاثين وخصوصاً ان زيد نفسه قد تأثر إبان دراستة في الخارج بالتربيه على النمط الغربي التي تشربها ابان دراسته للقانون في السوربون ومن ثم العلاقات الدوليه في كيمبردج. جلس منصور على الطاوله معتذرا لابيه عن التأخير باريحيه وخفة دم معتاده بينهما. فبعد ان فرغ منصور من تناول شوربة الشوفان المغموس بها قطع صغيرة من لحم الغنم، شبك اصابعه يديه مسندا مرفقيه على الطاوله وكأنه سوف يبوح بسر خطير وقال: ودي اطرح عليك موضوع فيه خير لي ولك يا يبه .. عسى خير ان شاء الله … مطلوب تبرع لايتام الافغان .. كان زيد يرشف من الشوربه ويمضغ معها قطعة من الخبز ثم توقف ورفع رأسه وقال اسمع : دروب الخير واجد وانا اعرفها جيدا لكن قل لي ورى ما تتبرع لهم انت من حر مالك..؟ إسمع يا منصور :  يقول المثل : حرر رزقك ثم مارس الفضيله.. لطمته تلك الكلمات في وجهه، فلم يكن لديه من مال سوى الذي يحصل عليه من ابيه، فنكس نظره ثم كتف ذراعيه بعد ان جر نفسا عميقاً وقال : صدقت يا ابوي .. قالها ولم يكن يعنيها بل مجرد رد تلقائي فهو يعرف تماماً مدى العجز المستوطن بداخله وبأنه لا يستطيع العيش إلا في كنف والده او متكلاً على احد .. رفع رأسه وقال: بعد اذنك .. فزحزح الكرسي الى الوراء قليلا  ثم نهض وانسحب بهدوء كطالب مطرود من الصف .. تناول زبادي مع خيار لعله يهدي الحموضة ويخفف من الارتجاع الذي سببه له هذا الموقف، واتجه الى شقته ثم صلى العصر ودخل غرفة نومه من دون ان يشعر به احد واستسلم الى نوم عميق. قبل طلوع الشمس انتفض وافاق بعد طول تفزز، فمكث يتقلب في فراشه ثم نظر الى النافذة وقد اجهره تجلي ضوء النهار، ثم امسك بالجوال فوجد ٨ مكالمات ورسالة من ممدوح … معليش يا مخلف الوعد … داري تبي تسلك لي عذر من عذارك الي الارشيف وبتقول اخذتني نومه، لو انك حريص كان ركّبت الساعه، ينقضي غرظك يا تعبان، والله ما توقعت انك بتسحب علي، فشلتني في خويك الفنان فالح صقر الي ضرب مشوار جاي من الحسا يوم درى انك جاي، فالح جاء عاني وجايب بالعود والايقاع ومحتسي بالهبايب اللي يحبها قلبك ..!  معليش يا .. خلني ساكت احسن لك .. على العموم لو بغيت تصلح غلطتك ترانا موجودين ويمديك تجي وتلحق لك على موشين او ثلاثة.ايضا وجد رساله اخرى من صديقه الافغاني مختار مد الله يذكره بجمع مبلغ التبرع لاعمال الخير في افغانستان .. بقي متمددا على السرير حائراً فاما ان يختار الماء او اليابس .. او يتحول الى كائن بر مائي..! فشعر باليأس والعجز عن الرد على اي من الصديقين وهو عاجز ان يتنصل من هذا او ذاك تحسباً للقادم من الايام وما سوف تأؤول اليه نواياه الخفية، محاولا ان يتعلم مسايرتهما من دون خسارة اي منهما.. ادخل سي دي بوب مارلي في المسجل وهو مستلقيا على السرير وبدأ يستمع الى اغنية .. كود يو بي لافد :  لا تدعهم يخدعونك … اوه .. لا .. ولا يحاولوا ان يسيرونك .. لدينا عقول تنتمي الينا  لذا اذهب الى الجحيم اذا كان ما تفكر فيه ليس صحيحا .. الحب سوف لن يتركنا لوحدنا … تلك الاغنيه التي كان يعشقها ايام كيمبريج فاخذ يعيد هذا المقطع مرات ومرات حتى نهضت الشمس من بئر الكون ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *