منذ أن كان شاباً يافعاً وهو يتردد على العديد من مجالس الاقارب والاصدقاء من الوجهاء واصحاب المكانة الاجتماعيه،فلا ريب من معرفته باصول واعراف المجالس،ناهيك ان له حضوراً مرحباً به في جميع الاماكن التي اعتاد على ارتيادها .تراه دائماً يدعم ويشجع من يسعى الى الوجاهه بالزيار والثناء عليه بغض النظر عن القرابة او الفئة العمرية او حتى الاهليه لذلك.
مع كل هذا إلا أنك تجده يتوارى بعفويه عن الوجاهه ويستتر عنها كالراغب طواعيه في الظل عن دفيء شمس الشتاء. ناهيك بأن لديه شريحه واسعه من الاصدقاء وقبول لدى جميع اطياف المجتمع،فلو اتخذ له حينها مجلساً لكتظ بجضور من يحتفظون له في صدورهم بحيزاً كبيراً من نقاء الود.
قبل وفاته بعقدين من الزمان فتج مجلسين، الاول يومي في منزله بعد صلاة الظهر والاخر اسبوعي في مزرعته يوم الاحد بعد صلاة العشاء.لو دخل غريب الى احد المجلسين لحتار وتردد في معرفة من هو صاحب المجلس …! فكيف لهذا الغريب ان يعرف طالما ان صاحب المجلس يأبى الجلوس في صدر المجلس …! بل ويرحب بالقادمين بختلف اعمارهم ويُجلسهم في مكانه …! والاغرب من ذلك يفعل نفس الشيء عندما يكون ضيفاً على احد المجالس فَيُخلي مكانه الى شخص ربما يكون اقل منه عمراً او مكانةً بين الناس …! حينها نقابله نحن ابنائه باللوم ولكنه لا يعبه بذلك،بينما تجد صاحب المجلس والحضور جميعهم في حاله من الارتباك بسبب الدهشه من الموقف .ناهيك بان هذه المواقف ليست طارئة بل تتكرر في معظم المجالس والمناسبات.
إن الصدمه العفويه التي يحدثها الوالد في الوهلة الاولى عند دخوله المجالس واصراره على التنازل عن احقية الجلوس في المكان اللائق بعمره ومكانته الاجتماعية هي سجيه أصيله وليست من باب التصنع. فعلى الرغم من حرصه على العادات والتقاليد لكن تجده يقفز بعفويه على العرف ويتنازل عن حقه في مكان الجلوس. فلو دخلت الى احدى مجلسيه لتبادر الى ذهنك بأن صاحب المجلس هو اخي عبدالوهاب الكفو والبارع والمتقن لهذه الصنعه.
في مجلسه تجده محاطاً بحجاب غير مرئ من السكون لا يتكلم إلا مجاوباً او معقباً على حديث لا يعرف الجدال وفي حديثه لين وود وحياد في الطرح.اذا عُرض عليه تناول فنجان من القهوة يرد قائلاً : من يديك الكريمة ما نعافها. لا يجادل بل ينأ عن ذلك بتصفح جريده او الدخول في حالة من الاطراق… حريص على حقوق ومشاعر الناس وفي نفس الوقت لا يرى لنفسه حق او فضل على أحدٍ من الناس.
في مجلس العم احمد بن محمد الموسى ( ابو طارق) الذي كان يرتاده بشكل يومي وفي كل مرة قبل ان يغادر يلتفت الى القهوجي (الصالحي) وهو من ابناء الاخوه الشيعه ويعرض عليه التوصيل الى منزله مع العلم بأن الوالد كان حينها قد تجاوز الثمانين ويقود السيارة بنفسه.ان المعايير الطبقية والفئويه دائماً تُمنى بالفشل امام خصاله العفويه.
حتى في مرضه الاخير وهو في المستشفى لم يفقد حس الدعابه ولا روح النكتة بل يشيل الشيلات احياناً وقد كان مثار اعجاب وتعجب من قبل الاطباء الذين كانوا يشرفون على علاجه. كانوا يقولون لنا : اذا سألناه هل تشتكي من الم يرد ويقول: لا الحمد الله ويشكرنا ويثني علينا.بينما نحن ابنائه نعلم بأنه يعاني ولا ينام الليل من جراء الالام الشدية واذا قلنا له لماذا لم تخبر الاطباء؟ يرد ويقول : ما ذا اقول لهم لقد فعلوا كل ما بوسعهم كثر خيرهم…! حتى الاطباء انفسهم كانوا مندهشين من تعامله اللطيف والرقيق معهم وقد اعتادوا على حدة وتقلبات مزاجية كبار السن من المرضى.