وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس .. صدق الله العظيم ..سورة الحديد
في الصباح الباكر من يوم صحو مشمس نهاره طويل في شهر يوليو من عام 2018 م إنطلقت من كوخ صغير أستحث الخطى في الهواء الطلق بين سفوح متموجه في مقاطعة (ولتيشر) في الغرب من الريف الانجليزي، تتعثر قدماي احياناً وانا اتنقل بين (خطوط المحراث) في قَراح من الارض الخصبة، تربتها طينية دهماء تفوح منها رائحة أديم الارض. اسير وحيداً في فضاء من السكون ارفع رأسي بين الفنية والاخرى أنظر الى قبة السماء الزرقاء ثم يرتد بصري إلى موضع قدماي، متأملاً في تلك الخطوط الممتده التي لم يغيرها الزمان ولا المكان ولا حتى التكنلوجيا، فلا غرابة في الامر، فهناك اشياء لها صفة الخلود وعصية على التغيير..! ناهيك عن ارتباطهم برحم الارض والسماء وبالسياق التاريخي والايقاع الثقافي لشعوب. لم تكن بوسع الشهب والنيازك القادمة من السماء وهي تكابد جاذبية الارض إلا أن تثير الاعجاب شكلاً ومضموناً قبل ان تضحي وترمي بنفسها في الارض وهي مشبعه بالحديد النيزكي. لذلك نستطيع القول بأنه لا يوجد شيء ملموس وله ارتباط بالغيب و باطن الارض مثل الفلزات من ذهب وفضة و حديد وغيرها من المعادن. لذا يجب علينا التذكير بأن الارض أشبه ما تكون بالرحم والخامات التي في باطنها عبارة عن أجنُة.
لقد اختفى مشهد المحراث الذي يجره الثور إلا فيما ندر، و جاءت الإله الحديثة بهيكلها الضخم وقوتها مع ذلك لازالت ترسم نفس الخطوط التي خطها محراث ذلك الفلاح خلف دابته..! لم يكن ( خط المحراث) هو الوحيد فحسب، الذي تنمر على التغيير، والشيء بالشيء يذكر، فهناك غصن من شجرة قد فقد الحياة بمفهوم الحياة والموت، ثم ولد من جديد فتحول الى (عصا) رافقت الانسان منذ بزوغ فجر البشرية، وبقيت الى يومنا هذا، إما في يد مصاب يتوكأ عليها بناءً على نصيحة من جراح شهير في (مايو كلينك) او تراها في قبضة راعي يومي بها على ناقة شذت عن القطيع، او بكف شيخ وقور او بيد من يدعي الابهة والوجاهة..! ناهيك ايضا عن جسم صغير ضارب في القدم ألا وهو (الخاتم ) الذي لا يزال له رونق وهيبة في خنصر الملوك و كذلك التجار و المشاهير، و ايضا له بريق و غضاضة في انامل النساء ..! لا المحراث ولا عصا موسى ولا حتى خاتم سليمان إفتقدوا احداً قط على مر العصور،كأن هذه الاشياء لا تحفل بمن جاء وراح. حتى سليماني الذي هلك على يد الامريكان تناثرت اشلائة ومزقوه إرباً إربا ولكن استعصى عليهم خاتمه..!