الغضب النبيل …
لقد عشنا أنا و اخي عبدالله قصة ظريفة وساذجة تشبه درب الزلق ..! كانت عندما حدثت المعجزة و غضب علينا الوالد في يوم من الأيام، يا ترى هل كان الوالد حينها بالفعل غاضبا..! أم كان يحاول التمرد على شخصيته الهادئة والرقيقة، ليجرب الخروج من دائرة الهدوء والطمأنينة التي يحيط بها نفسه ..! لحظة غضب ممتعة وظريفة، خليط من الدراما والكوميديا. كان الوالد في أوائل الستينات من القرن الماضي يعمل في البرقيات في الصباح وبعد الظهر يعمل في بريد المبرز في عمارة صالح العفالق (أبوكميّخ ) الواقعة داخل سوق المبرز. في العصر احياناً انا و اخي عبدالله نذهب مع الوالد إلى البريد ونجلس على كراسي ونقابله وجها لوجه، بينما هو يجلس على طاولة ويأتيه الناس ويعطونه رسائل يضع عليها الطوابع ويأخذ منهم قروش ويرميها في علبة معدنية فارغة، وكلما قذف بقطعة من النقود في العلبة أحدثت رنين تجعلنا نهتز ونتمايل ويحملق الواحد منا في الآخر، ثم نبدأ التناوب في ترديد سيمفونية مملة ومزعجة … أبوي عطنا أربعة قروش …. وعلى هذا المنوال نرددها مرارا وتكراراً، حالة يا رجل تجعل أي أب في الدنيا ربما يفكر في الانتحار..! ولعله سئم منا ومن أصواتنا النشاز، وحدث نفسه قائلا: ماذا أفعل بهؤلاء؟ أشكال غلط وإزعاج، فصبر صبراً طويلاً قبل ان تدنو ساعة الصفر والتي لم نكن نحسب لها حساب، فسدد ضربته الأولى إلى عبدالله بكف أخذه على حين غرة، كان وقتها سرحان ربما كان يفكر في الاغنام التي كان و لايزال يحبها..! أما أنا فحاولت الهروب والنفاذ بجلدي ولكن الوالد قام بعملية مطاردة تمكن من إعاقتي عند السلم وقصفني من الجو بكف على قفاي جعلني أقفز عتبات السلم أربع … أربع … ثم تدحرجت ووجدت نفسي ممددا في الطريق وقد انفرجت أرجلي على شكل سبعة وتجمعت ثيابي والتفت حول عنقي. نزل عبدالله و ناولني نعلتي كأنه يقدم لي باقة ورد٬ بينما الأخرى قد اندست تحتي، فنهضت باكياً من بين الأنقاض، أنفض الغبار عن ثيابي، وقفنا و نظر الواحد منا للآخر ثم تنهدنا تنهيده طويله امتصت ما تبقى من العبرات و فجأة تحول البكاء إلى ضحك هستيري..! حقيقةً يقع اللوم على الذي يلوم الوالد فينا. رجعنا إلى البيت، بخفي حنين وكبقايا جيش مهزوم، ولسان حالنا يقول ضرب الحبيب مثل أكل الزبيب.