تحميل…
  • 21/8/2022 شوهدت شهب في سماء حائل والقصيم والدوادمي والمدينة يعنقد بانها حطام لينزك وسمعت اصوات لانفجارات ولم يحدد مكانها
  • 1 اغسطس 2022 هطول امطار على الاحساء
  • 9 اغسطس 2022 امطار على سدوس والقرينة وضرما
  • 5 اغسطس امطار ورعود ضربت مدينة الرياض
  • 1 اغسطس امطار ورعود ضربت الرياض
  • 6 اغسطس 2022 سيول وادي حبونه تصل الى الربع الخالي
  • 15 اغسطس 2022 امطار و سيول مستمرة في المدينة المنورة منذ 12 يوم
  • 27 اغسطس 2022 امطار غزيرة وسيول على الامارات وعمان واليمن خلفت اضرار في الممتلكات
  • 28 اغسطس 2022 غيوم كثيفة على الرياض وبقية مناطق الممكة وتوقع هطول اممطار غزيرة ودرجة الحرارة العظمى 39
  • توفي العم عبدالعزيز بن عبدالوهاب بن صالح الموسى (أبو عمر) يوم الاحد 18/3/1427 عن عمر ناهز 69 عاماً رحمه الله تعالى
  • توفي الشاب محمد بن عبدالعزيز الموسى (الاول) في الثاني عشر من شعبان سنة 1410 وولد اخيه محمد (الثاني) في السابع من ذوالحجة سنة 1411
  • تاريخ ولادة الجدة مريم بن عبدالله بن عبدالعزيز العفالق سنة 1300 هجرية طبقاً لما كان يعرف حينها (تذكرة النفوس) رحمها الله تعالى
  • في صبيحة هذا اليوم السابع والعشرون من شهر يونيوه سنة 2022 رزق الابن راشد مولودة اسماها صيتة نسأل الله لها الهداية وان يجعلها قرة أعين لنا
  • توفي الرجل الكريم الوجيه الشيخ عبدالله بن محمد ال الشيخ في 30/3/1424 رحمه الله تعالى
  • توفيت الخالة دلال بن عبدالله الغردقة في الواحد وعشرين من شهر ذو القعدة سنة 1421 رحمها الله تعالى
  • تاريخ ولادة الجدة حبيبة بن عبدالله الغردفة سنة 1330 هجرية طبقاً لما كان يعرف حينها (تذكرة النفوس) رحمها الله تعالى
  • توفي الجد صالح بن محمد الكثير رحمه الله تعالى في فجر يوم عيد الفطر المبارك من عام 1376 هجرية
  • في تاريخ 28/12/1992 سجل الوالد في يومياتة اعلا معدل هطول امطار في يوم واحد حسب محطة غرب مطار الاحساء بلغت 91 ملم
  • حج الوالد عبدالرحمن الموسى (ابو عوف) لاول مرة عام 1363 هجرية وهي الحجة الاولى التي خرجت من الاحساء بالسيارات
  • العم محمد بن احمد بن عبداللطيف الموسى 1310-1406 رخمه الله تعالى
  • العم عبدالرحمن بن عبدالوهاب بن عبدالرحمن الموسى (العمدة) 1919-2006 رحمه الله تعالى
  • ومن عرف الايام معرفتي بها وبالناس ... روّى رمحه غير راحمِ
  • دخلت الكهرباء لاول مرة في بيتنا في حي العيوني في 22 محرم 1381 بتكلفة بلغت 560 ريال
  • العم الشيخ حسين بن عبدالرحمن الموسى رحمه الله تعالى 1285-1366
  • توفي ابن الخال الغالي عبدالرحمن بن سعد الغردقة في 23 سبتمبر 2021 رحمه الله رحمة واسعه
  • في 11 يناير 2020 توفيت امي (من الرضاعة) فاطمة الحادي رحمها الله رحمة واسعة
  • في الرابع من تشرين الثاني من عام 2020 رحل عنا الرجل النقي التقي الدكتور سعد بن عبدالله البراك رحمه الله رحمة واسعة
  • هطلت امطار غزيرة غير متوقعه في يوم الاربعاء 22 يوليو من عام 2020 على الرياض والاحساء وبعض مناطق المملكة
  • توفيت أمي هيا بنت صالح بن محمد ال كثير رحمة الله عليها الساعة 15 :3 من فجر يوم العاشر من شعبان لعام 1438 هجرية الموافق السابع من شهر أيار لعام 2017 ميلادية
  • #تلاوة من #القران_الكريم للوالد رحمه الله تعالى

الغَوّار بلا ضجيج …

 

 

الغوّار بلا ضجيج:

 

 

قال الشاعر أبو مدين التلمساني:

تحيا بِكم كلُ أرضٍ تنزلون بها        كأنكم في بقاعِ الأرضِ أمطارُ

 

لم تعد تلك الواحةُ الخضراء النائمة على حافّة الغوار، تحرك ساكنًا فيه…! فهو مهندسُ مياهٍ، تخرج في أمريكا، وعاد إلى الأحساء فوجد أنَّ عيونها التي كانت تنضح وتدفع بالأنهار في كل اتجاهٍ منذ آلافِ السنين قد غارت. فاختارَ البرَ، عِوضًا عن البلد، والحلال عمّا سواه. لأنَّ البرَأمتع، ولم تعبث به أيدي البشر؛ إذا هطلت الأمطار ازداد جمالًا، بينما البلد يزداد قبحًا مع كل قطرة مطر، لتهالكِ بنيتهِ التحتيّة..!

فرح جدُّه لأمه؛ فأهداه ماعزًا عندما خَطا خطواته الأولى، وهو طفل صغير واستطاع أن يمشي على الأقدام إلى بيتِ جدّه، فكانت مثل الومضةِ التي لمعت في عين طفلٍ بريء.

عنصران بداخله يعتركان، تخصّصه العلمي، وهواية الأغنام؛ إذ البساطة والتعقيد تقلبهما الحياة بنسبٍ معينة، فما إن يبرز أحدها، إلا ويختفي الآخر، وكان يمتلك حِسًّا من الدعابة، يفيض بالمرح والفطنة.

هو مثالٌ حقيقي للأخ الأكبر، المُحب والمحبوب، الذي يعطي ولا يأخذ. يركب سيارة الجيب، وبجانبه أخاه عبد الوهاب، يسابقان سويعات الأصيل؛ باتجاه مكان الحلال أينما كان. لقد تركا بصمات في أماكن عديدة، ونصبا رايات للكرم والأنس في كل قاعٍ نزلوا فيه. ويكونان على موعدٍ مع الحلال قبل أن تتخلّص الشمسُ من لهيبها، وتهبط في بئرِ الكون، فتجد المكانَ يضج بثغاء الأغنام، والرعاة يصولون ويجلون في كل اتجاه، فهذا يعلّف وذاك يروّي والآخر يرضّع.

بينما على الجانب الآخر يقف الوايت الأزرق، متظاهرًا بالصمود والتحدي، حفر الزمن فيه ثلمات في الواجهة، وصدوعًا في الجوانب، ومع ذلك بقي محافظًا على هيبته في المكان. وعلى الجانب الآخر إكسسوارات موزّعة بين الأغنام عبارة عن إطارات شُطرت نصفين تستخدم كمعالف، وتجد صحون الأكل -ذات الكراسي- عُلقت على الوايت، وكأنّها أجهزة تنصّت لاكتشاف الضيوف عن بُعد…! شِباك متحركة تستخدمُ لعزلِ الأغنام الصغار عن الكبار، والرضّع عن المواليد. على بضع أمتار تجد فلول القطيع قادمًا للتوّ من المسراح، والأمهات تقف على خطّ التماسّ من فلذات أكبادها، يتقدمها الحمار، والمراييع تعبث من حوله. ترى فحولَ الضأنِ بارزة من بين القطيع بأجسامها العالية، وظهورها المتموجة، تنافح النعاجَ بهمةٌ لا تعرف الكلل بحثًا عن شياه قد أضناها الشبق…! هذا المشهد الجميل يبقى رائعًا، مهما تكرر، يسميه أخي عبد الوهاب لحظة “اللقاء”، وهي كذلك، بل هي مهرجان بكل ما تعنيه الكلمة، ففيه تلتقي الأمهات بالصغار بعد غيابٍ دام نهارًا؛ فتجد أعناقها مشرئبة وقد وجّهت رؤوسها نحو الصغار، التي أخذت تتقافز من على أطراف الشبك شوقًا وفرحًا بعودتها. وعند ساعة الصفر تُفتح الأبواب فينقض الصغار باتجاه الأمهات، ويضج المكان بكرنفالٍ فتختلط الأصوات، وسط الغبار، وتبدأ عملية التعرّف بين كل شاة وصغيرها، في البداية عن طريق تبادل النداءات بثغاء حزين بينها، وما هي إلا لحظات وتأخذ تلك الأصوات في الانخفاض تدريجيًا ،حينها يكون البعض من الصغار قد بدأ في التعرف على أمهاتها، تسعفهم حاسة الشم التي تسبق النظر. وما هي إلا دقائق معدودة وينجلي الغبار، ثم تختفي جميع الأصوات، ويعم السكون بعد أن استقرَّ فَمُ كُلِّ صغير في ضرع أمه.

أما عبد الله فوقته حرج؛ إذ قرص الشمس بات يهبط عَجِلًا؛ لذا فليس هناك مجال لإضاعة الوقت، فتجده مشغولاً بتفقد الأغنام، يضم الحُمْلان بين ذراعيْه، ويسوق المرضعات رويدًا رويدًا إلى مكان الرضاعة، يشاركه عبد الوهاب وصديقهم الحميم علي، يتفحص ويعالج المحتاج للعلاج بطريقة علمية، مستعيناً باستقاء المعلومات عن طريق الملاحظة، فهو مراقب موهوب لديه قدرات تحليليّة. أحيانًا يجد علبة دواء مرميّة على الأرض، يلتقطها ويعالج بها الأغنام، دون أن يتوقف عن الحديث ، أو إذا لزم الأمر أثناء تجواله بين الأغنام يغرس إبرةً في جسدِ ماعز، فلديه أرشيف ذهني يحتوي على ملف طبي لكل واحدة من القطيع.

ومن العجائب، أن يعرف هؤلاء الرفاق صلةَ القرابة بين القطيع المتجاوز عدده ألفًا، ففي أحد الأيام التفت إليَّ عليُّ وهو يؤشر نحو رخلة ويقول: “هذه الرخلة خالتها تلك الشاة”..! بل يُعطون البعضَ منها اسمًا مستعارًا يتلاءم مع شخصياتها، فهناك الشاة “النحيسة” التي لا تكفّ عن النطح، كذلك “المخبطة” التي تحرث الأرض أثناء المشي، وأيضًا “العسكرية” بسبب مشيتها الاستعراضية، وهناك ماعز أطلقَ عليها عليٌّ “عاصفة الصحراء” بسبب غرتها التي تهفهف في الهواء.

 

أبشر بمعنى ما يسير إلا على سبعة بحور:

 

اندست الشمس خلف الأفق بسلام، ثم توجّه الجميع لأداء صلاة المغرب، يؤمنا عبد الوهاب، على الرغم من وجود عبد الله -الأكبر سنًا- الذي لا يحرص على هذا الشيء، ولربما وقفت بعضُ آرائه التحررية حائلًا بينه، وبين التبوء بالإمامة…! أحيانًا يصفه عليٌّ مداعبًا “بالعلماني الطيب”، نجلس حول النار متربعين، ولهب الرمث الأزرق يتراقص مثل الثعابين من أمامنا، مستمتعين برائحته الزكيّة، وبحسيس اللهب الهادئ، وأمام بيت الشَعر الأنيق، والمنصوب بطريقة وكأنه ينادي ويرحب بالضيوف، نأكل التمر، ونحتسي القهوة، ثم نرشف من حليبِ الماعز. للجلسة حول النار نكهة خاصة، وطقوس الضيافة التي أسسها عبد الله وعبد الوهاب ترسّخت بفعلِ السنين حتى أصبحت عبارة عن موروث له طابع ومعالم واضحة. يبدأ الحديث بشكل متكرر عن ماذا أكلت الأغنام وماذا شربت…؟ تساؤلات كثيرة ومثيرة. عبد الله عرّاب الجلسة، يتكئ على جانبه الأيسر، والسيجارة بيد والأخرى تعبث بالشارب، ويتساءل بقلق، وهو يحملق في الفراغ، بينما عبد الوهاب يستدرك بحذر، ولا يعطي جواباً قاطعاً، ربما بسبب النضج المبكر، فإحدى قريباتنا من النساء قد قالت يوماً من الأيام بأن عبد الوهاب في صغره لم يتمتع بطفولته…! أي أنه عَبَر مرحلةَ الطفولةِ بعقلِ رجل. لكنه يبقى ودودًا وعميقًا في علاقاته، على الرغم من اتساعها، وكريمًا مضيافًا؛ إذ لم يفتح مجلسه قط، إلا ضاق بالحاضرين. وحريصًا على فهم اللغة، دقيقًا فيما يعرفه في التاريخ والأنساب وعلم الفلك، وكان عفيفًا عن الشهرة، فلم يدّعي يومًا بأنه شاعر مع أنَّ الشعرَ فنّه وصنعته، يتمتع بذاكرة ثابتة، قلما يسقط منها شيء، يخيل إليك أنَّ الأبيات في ذهنه مؤرشفة؛ يستدعيها حسب ما تقتضيه المواقف والمواضيع، يغلفها بصوته العذب وإلقائه الرائع. عندما يبدأ عبد الوهاب في العزف على بحور الشعر يحتفل بنا المكان طربًا، يصعد ويهبط بنا ويقلب الشعر والشعراء كيفما شاء، فكلما أوغلنا معه تتسع بنا جنبات الشعر وألوانه، وإن تعمقنا معه أكثر نفاجأ بأنَّ البحر كله ما هو إلا بركة بالنسبة له. الاستماع إلى شاعر غالباً ما يكون مدعاة للملل، لأنه حبيس الجيد والقليل من قصائده…! بينما تكمن فيه المتعة الحقيقية لدى من يهوى ويحفظ الشعر ويتقن فنونه كما هو الحال بالنسبة لعبد الوهاب. فهو يرى أن الشاعر الذي لا يحفظ له الناس ولو بيتًا واحدًا ليس بشاعر…! ما يقوله عبد الوهاب عن الشعر لا تسمعه من غيره، فما أعذب القصائد وما أروعها على لسانه، من ذا الذي لا يطرب لسماع أبيات هادي بن سهل على لسانه:

باديٍ عند الضحى في طويل رجادها       شاقني أبو ميركة راس مشرافٍ طويل

أبدع القيفان وأعني بنظم أجدادهــا          من هواجيسٍ تخالف ولا منها ذبيـــــــل

فوح صـــدري فوح دلةٍ بقنادهـــا          سج منها اللي ركاها على الجمر الصقيل.

 

 

 

شَخَب الحليب:

أما عليٌّ ففي هيئته وقار، وفي قلبه طيبة أصيلة، غالبًا ما يتخذ من التفاؤل عصا يتوكأ عليها، تقوده نحو الاعتقاد بأننا على موعد وشيك مع الأمطار الغزيرة، وأنَّ الغبار سوف يعقبه أمطار، وأنَّ العالم بأسره من القطب الشمالي إلى الجنوبي سائر على ما يرام. كان مرحًا مولعًا بقصص الإسرائيليات و بأطايب الحياة ..! يغمز للدنيا بعين، وللآخرة بعين، ولا يستقر على حال. يداعبنا أحياناً بتقمص شخصية المظلوم، مشبهاً نفسه مع إخوته بنبي الله يوسف، طبعاً من حيث المعاناة لا الوسامة…! ومع ذلك فهو رجل كريم، أو كما يقال: مخروق اليد. فمنه اكتشفنا أنَّ اللهجة العامية من الممكن أن تكون لغة علم وفن…! كما أنَّ هذا الرجل لديه علم معتبر بالأنساب وقدرة على الاستشهاد بالقرآن، وذوق خاص في انتقاءِ الأشعار الفريدة وحفظها، وإن كان عبد الوهاب يشاكسه وينغص عليه في ذائقته الشعرية، منتقدا طريقته في الاستشهاد بالأبيات، بينما يرد عليٌ بتعويذته المعتادة ” إنا لله…” يمدها بنبرة تنم عن نفاذ الصبر…! وغالباً ما يتندر عليه عبد الوهاب، ويتصيّد حركاته، ويخترع لها مصطلحات مثل “الرجعة”؛ وهي وصف لحالة عليٍّ عندما يطرح موضوعاً مهمًا، ويريد أن يلفت انتباه الحضور، فتجده يحدّق بعينيه تجاههم، ويزم شفتيه ويبتسم قليلاً مع رجوعٍ خفيفٍ إلى الوراء. مع ذلك فلدى عليٌّ فنّه الخاص في إلقاء الشعر، وغالباً ما تجد ابتسامة خفيفة على زاوية من فهمه، وهو يهزّ رأسَه للأمام، ويومئ بأصبعين تجاهك ويردد أبيات ابن جدلان:

ونّ ابن جـدلان من لايعٍ لاعــــه         كن فـي صدري دوافـيـر صـناعي

ألعب الـمـنـكوس وأحب روباعه          مـملٍ في الوقت والـوقــت خداعي

ما دريت أن ضحكة الوقت خداعه        شفت مدخالي ولا شفت مطلاعي

لا بغـيــت أسج والا انبـسط ساعة       دق قلبي من وراء حدب الأضلاعي

 

وعند البيت التالي يتمايل رأسه، ويحرك أصابعه مقلداً طابع الآلة:

كن ما بين الضلوع آلة طباعة           تـشـتغـل لا نمت وأقوم مرتاعي

 

أما عند البيت الذي يليه، فيضع يده اليسرى على رأسه، وينحني قليلاً للأمام ويومئ بيده الأخرى، ويضحك وهو ينطق (تفرتساعه) على الطريقة النجدية بقلب القاف إلى تاء مع سين:

 

لا أونس البنزين عجلٍ تفرتساعه    مخطرٍ من سرعته يقلع أقلاعي

اما عبدالله او (العود) كما يحلو للبعض ان يسميه، فله ومضات شعرية رائعة من هنا وهناك على الرغم من قلة الحفظ لديه، فما يحفظه هو مجرد نتف من الشعر لكنها عبارة عن مفاتيح. يتجنب الركون الى المسلمات السائدة ويتلذذ في الإطاحة بالمفاهيم الشائعة بين الناس حتى لو تحدّرت منذ مئات السنين كما هو الحال بالنسبة للشعر والفن؛ فلقد طعن في الشعر الجاهلي في خاصرته، عندما وصف شعر امرؤ القيس بأنه ركيك، بل وسخر من بيته الشهير “كجلمود صخرٍ حطه السيل من علٍ” منتقدًا هذا التصوير البشع للحصان، وأحسب أنَّ الدكتور راشد المبارك المفكر والفيلسوف المعروف يشاركه هذا الرأي. كما لم ينجُ منه “فنان العرب” محمد عبده على الرغم من شعبيته الضاربة، يصفه بأنه ممل وينعته بالفشل. حتى الأمثال العربية، انتقدها كالمثل الشائع “الصيف ضيعت اللبن” بأن الرابط بين القصة والمعنى هزيل، ولا يستحق هذا الانتشار.

 

هذا التلاقي العفوي الودود، الذي جمع هؤلاء الرجال؛ يوحي إليك أن الحياة بأسرها منشغلة عنهم بشيء آخر! .

 

خروف حيران:

فجأة وبدون مقدمات، وجدت أنَّ الجميعَ قد نهضوا، حينها شعرتُ بأنَّ النية مبيّتة لعملِ شيءٍ ما..! رأيت الراعي سليمان -بسحنته السمراء- يسير في الظلام، وبيده كشاف، يبدو كأنَّه مهندس إضاءة يبحث عن المخرج…! بينما أقبل علينا عبد الوهاب يسعى ممسكاً بآلةٍ في يده، تُوحي بأنها صُنعت في الأيام الأولى من القرون الوسطى، أو ربما السلاح الذي استخدمه هابيل في قتل قابيل…! عبارة عن سلكٍ مثبّتٍ في إطار من الحديد الحادّ المصدّي، يُستخدم في قصّ قرونِ الأغنامِ المسكينة. هرعنا جميعًا إلى داخلِ الشبك؛ حيث الخروف المسكين الذي عُزِل، فأمسكنا به وهو حيران وخائف، وبسرعة فائقة نفّذ عبد الوهاب العملية بدقةٍ متناهية، وقص قرنَ الخروف فسال قليل من الدم، لكنَّ الجماعة عَدّوه أمرًا عاديًا، وأكدوا على نجاح العملية، ربما الشخص الوحيد الذي لا يشاركهم الرأي هو الخروف نفسه! وعلى أي حالٍ فلقد مرت تلك العملية بسلام، و بدون علم الجمعية العالمية لحماية الحيوانات، التي ليس لها وجود في هذا المكان من العالم، ناهيك عن حقوق الإنسان نفسه، التي لم تتأسس إلا منذ أشهر قليلة..! ثم عُدنا إلى النار واستأنفنا الحديث.

 

ولادة متعسرة:

تلك الليلة كانت حبلى، ويبدو أنّها لم تقذف بكل ما في جعبتها…! فما هي إلا لحظات حتى أنسلَّ عبد الله من بيننا بمفرده، وانتبذ مكاناً قصيا، ربما أراد الذهاب لمبيت الأغنام؛ لتفقدها وهي متجمّعة في منطقة منخفضة، ومنبسطة بالقرب منَّا، المنطقة فيها القليل من الأعشاب الصغيرة، التي نبتت في غفلة من الجفاف. عبد الله يريد التأكد من أنَّ الأغنام قد اختارت مكانًا مناسبًا للمبيت، ولربما كان هناك شيء ما، يلوح في الأفق…! فبينما نحن نتسامر حول النار، كان عبدالوهاب كالعادة، يتولّى إدارة الجلسة حول النار، وبين الحين والآخر يحاول عليٌّ التدخل بتحريك عود في النار وإثارة الدخان، أو بتغيير أي شيء وضعه عبد الوهاب، بينما هو ملتزم الصمت، و مقطب الحواجب؛ فمشاغبة عليّ لا تمنعه من الاستمرار في أداءِ دوره بطريقة فيها الكثير من الدقة، والقليل من الأخطاء، فحركاته في تناولِ الدلال والفناجيل فيها تلقائية عجيبة، حركات رصينة، ومتزنة، وغير مستعجلة و لا مترددة، بينما يواصل عليّ مشاغبته بالخروج عن موضوع الحديث، أو بالعزف المنفرد على مقام السيكا..! أي الانفراد بشخصٍ ما، بينما حديث الجلسة يدور حول موضوع آخر…! وبين الحين والآخر يرمي عليٌّ بطرف بيتِ شعرٍ إلى عبد الوهاب فيكمل بأبيات للشيخ راكان:

سلة صقيل الهند في كفّ يمناك       قضبة ضماده ما تجي بالمناوي

والله ما تعطيه يمناك يســــراك        لشفت فعله في عظيم البلاوي

وبينما نحن جلوس، سمعنا صوتَ شاةٍ تتألم، وتطلق الصيحة تلو الأخرى، و كأنها تطلب النجدة من شدة آلام المخاض، وكان عبدالله بالقربِ منها، لا نرى من خلالِ الظلام سوى سيجارته تُضيء جَمرتها وتنخفض، بقدر ما تتألم الشاة، فاتجهنا جميعا إليه بخطى بطيئة؛ لكي لا تنفر الأغنام وهي في المبيت، وهو قد شمّر عن ساعديه، ولف غترته حول رأسه “شيرمبو”، وهو جالس في وضع المتحفز ونحن من حوله، وكلما اقترب من الشاة اقتربنا. بعدها جرى حديث، ومداولات بين الأقطاب الثلاثة، فقدم عليٌّ تقريره عن الحالة على عجل، وأيده البقية بأنها من الناحية الإكلينيكية تعتبر حالة ولادة متعسرة تتطلب التدخل السريع. ثم أمسك عبد الله برأسها وعبد الوهاب من الخلف يحاول إخراج الجنين، أما عليٌّ فقد تربع، وأمسك بأرجلِ الشاة الأمامية مُطأطِئًا رأسَه وهو يقول: “إن شاء الله فيها اثنين أو ثلاثة…!” ثم عشنا ثواني معدودة من الصمت والترقب؛ وفجأة قال عبد الوهاب: “أعتقد أنَّ الجنين ميت…!” وكأنَّ ثعبانًا لسع عبد الله، فلم أستطع –حينها- متابعة ماذا حدث، فالأمر مَرَّ بسرعةِ البرق، واندفع عبد الله، وأخذ مكانَ عبد الوهاب وبحركةٍ خفيفة، وسريعة أخرج الجنين الحي، وهو غاضبًا ومحملقًا باتجاه عبد الوهاب ومرددًا مقولته: “قال ميت قال…قال ميت قال”. بعدها تنفّس الجميعُ الصعداءَ، وبدأ غضبُ عبدالله في التراخي بعد أن حمل المولود بين ذراعيه وتبعته أمه إلى المكان المخصص للمواليد. لقد كانت ليلة حافلة بالأحداث، أبطالها مُهندس مياه خريج جامعة توسان الأمريكية، والثاني ضابط بحري يعمل في السلك الدبلوماسي، والثالث جامعي درس المحاسبة، جميعهم يقفون على أعتاب القرن الواحد و العشرين، عصر الاستنساخ و الإنترنت و الفياجرا، وقد تجمَّعوا واستخدموا كافةَ إمكاناتهم العلمية والعقلية، لتوليد شاة، و قص قرن خروف..!

 

 

 

 

 

 

 

أخي عبدالوهاب … أبو سعد
صورة جماعية … أخي عبدالله وأخي عبدالوهاب وفي وعبدالرحمن اولاد أخي مساعد وفيصل الكثير (أبو تركي) إبن أختي
الوالد وأخي الاكبر … أبو الحارث
اخي عبدالوهاب … أبو سعد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *