زيارة ملكية ..
زار الملك سعود رحمه الله الإحساء للمرة الأولى عام 1954 م وأقام له الأهالي حفلا كبيراً في عين أم سبعة، وكان الشيخ محمد بن احمد الموسى والشيخ عبدالله الشهيل والشيخ حمد الجبر أعضاء اللجنة المنظمة للحفل، وألقى كلمة الحفل الشيخ عبداللطيف الجبر٬ كما ألقى خالد بن محمد ال عبدالقادر قصيدة للعالم الجليل الشيخ محمد بن عبدالله آل عبدالقادر أبياتاً عبرت عن أجمل وأروع وصف لهذا الموقف :
بوادر الخير من يمناك تبتدر – لا أم سبعة ولا النيل الذي ذكروا
آل السعود على حافتها نزلوا – سعود نجم تليه الأنجم الزهرُ
فماؤها واصفرار الشمس يصبغه – كخدود غيد علاها الورس والخفرُ
وقد كرر الزيارة عام 58 و 59 م وحلّ في كلتا الزيارتين ضيفاً في منزل الشيخ محمد ابن الحمد الموسى، و قبل موعد الزيارة أخذت الاستعدادات والترتيبات لها تسير على قدم وساق، ومن بين تلك الأشياء المهمة التي يتوجب التحضير لها وإعدادها بشكل متقن وتليق بهذا الموقف، نص الكلمة التي سوف تُلقى على مسامع الضيف الكبير، التفت الشيخ محمد آنذاك وجال ببصره وبصيرته في من حوله، فلم يجد أحداً مؤهلاً لهذه المهمة الصعبة والحساسة..! سوى الوالد عبدالرحمن الموسى ( ابو عوف) فهو كان مهتماً بالأدب والشعر منذ نعومة أظفاره، ولديه إلمام بعلوم اللغة والقران، فوقع الاختيار عليه وكلفه بكتابة الكلمة. كذلك اختار ابنه عبدالعزيز لإلقائها والذي كان حينها شاباً يافعاً وسيماً لماحاً ذي طلعة بهية. استهل النص وكالمعتاد بالأبيات التالية :
على الطائر الميمون يا خير قـــــادمــــــــــ – وأهلا وسهلا بالعلا والمكـارمــــ
قدمـــــــت بحمد الله أكرم مــــقدم مـــــدى – الدهر يبقى ذكره في المواســـــــــم
وكالمعتاد لم تخلُِ تلك الزيارة من بعض الفكاهة والمرح..! فالعم أحمد الموسى (أبو طارق ) و والعم محمد بن عبدالوهاب الموسى (أبو خالد) هما الصديقان الحميمان ل (ابو عوف) فقد عاشوا معاً ترّهات الحياة سويا، في أيامٍ وليالٍ قد خلت، حينما كان الصبا و الشباب مطيتهم في اللعب ومحسّن الصعب. و قبل موعد الزيارة اتخذ (ابو عوف) له مكاناً قصياً في زاوية من مجلس الشيخ محمد و شرع في كتابة نص الخطاب. بينما وجد أحمد ومحمد في هذا الموقف فرصةً وصيداً سميناً للتندر عليه وأخذا يرقبانه عن كثب، وهو جالس في إحدى زوايا المجلس منهمكاً في الكتابة، بينما جلسا في الناحية الأخرى، يتهكمان عليه تارة ويعلقان تارةً أخرى، فحمى الوطيس وبدأ التراشق وضجّ المكان بالسخرية والضحك على هذا النص الخطابي، يرددان على مسامعه بأنه خطاب ممل و مكرر، وبأن ليس في جعبته سوى ترديد تلك الأبيات العثمانية البالية، التي عفا عليها الزمن وأصبحت مقدمة لكل نص خطابي يكتبه..! أما (أبو عوف) فكان يحاول جاهداً وبدون جدوى، الرد عليهما، وفي نفس الوقت تجميع أفكاره التي شتتها وبعثرتها تعليقاتهما. وأخيراً ضاق ذرعاً بهما وبلغ السيل الزبى، ورمى بالقلم و الاوراق وغادر المكان تاركاً الخطاب ملقىً على الأرض، متهماً كلاً منهما، بأنهما السبب وراء تعطيل كتابة النص. بيد أنه كان هناك على الجانب الآخر، شخص آخر يقوم بمهمة في غاية الظرف والأهمية ! ألا وهو فهد الحادي ذلك الرجل الأنيق الذكي، والذي كان يطوف عليهم بين الحين والآخر، مسترقاً السمع، وهو سريع في نقل الإخبار الى الشيخ محمد، ربما أسرع من هدهد سليمان..! وعلى الفور دنا من الشيخ محمد خلسة، وبكل لباقة يصب الخبر في أذنه ويقول: بأن (ابوعوف) قد توقف عن الكتابة وغادر المكان، بسبب السخرية التي تعرض لها من قبل أحمد ومحمد، فينادي الشيخ محمد عليهما غاضبا وينهال عليهما بسيل من التوبيخ والتأنيب، متوعدا إياهما بالويل والثبور وعظائم الأمور، لتعطيلهما كتابة الخطاب، ثم يبعث بمرسول الى (ابو عوف) ويطلب منه الاستمرار، ويستجيب بدون تردد، ويعاود الكتابة ويتكرر هذا السيناريو عدة مرات، وفهد الحادي يؤدي نفس الدور..! ويبدو أن (ابو عوف) أعد خطة دفاعية لمواجهة هذا الموقف، فكلما راق له أن يرى الشيخ محمد “يغسل شراعيهما” تظاهر بالزعل وتوقف عن الكتابة..! وهكذا دواليك يستمر الوضع بين مد وجزر.. وفي النهاية اكتمل ذلك الخطاب الذي أثنى عليه الملك وعلى عبدالعزيز بن محمد الموسى ذلك الشاب المتألق الذي قرأه على مسامعه .