الخصوصية:
يضع الإنجليز في بيوتهم حديقة أمامية، وخلفية، ولا أذكر أن أحدا من جيراني قد جلس في حديقته الأمامية، مثل بقية شعوب أوروبا، على الرغم من عنايتهم الفائقة بها كالحديقة الخلفية. هذه قد تندرج ضمن الخصوصية، التي هي مقدسة عندهم، وأبرزها ما اكتشفته من أن الإنجليزي إذا دخل بيته يوصد بابَه دون أن ينظر وراءه ثم يختفي عن الأنظار، ولا يَظهر للعيان إلا إذا خَرجَ من المنزل للعمل أو لمشوار محدد؛ لذلك تُشاهد أحيانا -عن طريق الصدفة- قصورًا جميلة في الريف الإنجليزي، لكنها تبدو مندسة أو متوارية عن الأنظار من خلف الأشجار، تجدها ساكنة مندسة لا تصرخ بوجودها إغراقًا في التواري عن الأنظار…!
ظاهرة الانزواء من السلوكيات الإنجليزية التي تضايق الشعوب الأخرى؛ فيَعدونها انعزالا وانطواءً فحسب، لكن مَن عرف الإنجليز، أدرك أن تلك السلوكيات رغبة في الدفاع عن الخصوصية، ولهذا هم يتوجسون من الآخر، ولا يمكن أن تعرف تقبل الإنجليزي للآخر، إلا إذا دعاه إلى مشروب أو أعطاه بطاقة الأعمال (BUSINESS CARD)، وحينها يُكسر الحاجز بينهما، فينطلق الإنجليزي للتعرف أكثر على الآخر. فهو لا يفصح عن هويته إلا إذا رغب في ذلك وعند الضرورة.
ومما لاحظته أن الواحد منهم إذا أراد مخاطبة موظف استقبال فندقٍ ما، فإنه يهمس باسمه؛ كيلا يسمع باسمه أحد…! لذا إذا أردت أن تعيش مقبولًا بينهم، تظاهر بعدم الاكتراث وإلا سوف تتعرض دائمًا للإحراج بسبب مبادراتك غير المحسوبة.