تحميل…
  • 21/8/2022 شوهدت شهب في سماء حائل والقصيم والدوادمي والمدينة يعنقد بانها حطام لينزك وسمعت اصوات لانفجارات ولم يحدد مكانها
  • 1 اغسطس 2022 هطول امطار على الاحساء
  • 9 اغسطس 2022 امطار على سدوس والقرينة وضرما
  • 5 اغسطس امطار ورعود ضربت مدينة الرياض
  • 1 اغسطس امطار ورعود ضربت الرياض
  • 6 اغسطس 2022 سيول وادي حبونه تصل الى الربع الخالي
  • 15 اغسطس 2022 امطار و سيول مستمرة في المدينة المنورة منذ 12 يوم
  • 27 اغسطس 2022 امطار غزيرة وسيول على الامارات وعمان واليمن خلفت اضرار في الممتلكات
  • 28 اغسطس 2022 غيوم كثيفة على الرياض وبقية مناطق الممكة وتوقع هطول اممطار غزيرة ودرجة الحرارة العظمى 39
  • توفي العم عبدالعزيز بن عبدالوهاب بن صالح الموسى (أبو عمر) يوم الاحد 18/3/1427 عن عمر ناهز 69 عاماً رحمه الله تعالى
  • توفي الشاب محمد بن عبدالعزيز الموسى (الاول) في الثاني عشر من شعبان سنة 1410 وولد اخيه محمد (الثاني) في السابع من ذوالحجة سنة 1411
  • تاريخ ولادة الجدة مريم بن عبدالله بن عبدالعزيز العفالق سنة 1300 هجرية طبقاً لما كان يعرف حينها (تذكرة النفوس) رحمها الله تعالى
  • في صبيحة هذا اليوم السابع والعشرون من شهر يونيوه سنة 2022 رزق الابن راشد مولودة اسماها صيتة نسأل الله لها الهداية وان يجعلها قرة أعين لنا
  • توفي الرجل الكريم الوجيه الشيخ عبدالله بن محمد ال الشيخ في 30/3/1424 رحمه الله تعالى
  • توفيت الخالة دلال بن عبدالله الغردقة في الواحد وعشرين من شهر ذو القعدة سنة 1421 رحمها الله تعالى
  • تاريخ ولادة الجدة حبيبة بن عبدالله الغردفة سنة 1330 هجرية طبقاً لما كان يعرف حينها (تذكرة النفوس) رحمها الله تعالى
  • توفي الجد صالح بن محمد الكثير رحمه الله تعالى في فجر يوم عيد الفطر المبارك من عام 1376 هجرية
  • في تاريخ 28/12/1992 سجل الوالد في يومياتة اعلا معدل هطول امطار في يوم واحد حسب محطة غرب مطار الاحساء بلغت 91 ملم
  • حج الوالد عبدالرحمن الموسى (ابو عوف) لاول مرة عام 1363 هجرية وهي الحجة الاولى التي خرجت من الاحساء بالسيارات
  • العم محمد بن احمد بن عبداللطيف الموسى 1310-1406 رخمه الله تعالى
  • العم عبدالرحمن بن عبدالوهاب بن عبدالرحمن الموسى (العمدة) 1919-2006 رحمه الله تعالى
  • ومن عرف الايام معرفتي بها وبالناس ... روّى رمحه غير راحمِ
  • دخلت الكهرباء لاول مرة في بيتنا في حي العيوني في 22 محرم 1381 بتكلفة بلغت 560 ريال
  • العم الشيخ حسين بن عبدالرحمن الموسى رحمه الله تعالى 1285-1366
  • توفي ابن الخال الغالي عبدالرحمن بن سعد الغردقة في 23 سبتمبر 2021 رحمه الله رحمة واسعه
  • في 11 يناير 2020 توفيت امي (من الرضاعة) فاطمة الحادي رحمها الله رحمة واسعة
  • في الرابع من تشرين الثاني من عام 2020 رحل عنا الرجل النقي التقي الدكتور سعد بن عبدالله البراك رحمه الله رحمة واسعة
  • هطلت امطار غزيرة غير متوقعه في يوم الاربعاء 22 يوليو من عام 2020 على الرياض والاحساء وبعض مناطق المملكة
  • توفيت أمي هيا بنت صالح بن محمد ال كثير رحمة الله عليها الساعة 15 :3 من فجر يوم العاشر من شعبان لعام 1438 هجرية الموافق السابع من شهر أيار لعام 2017 ميلادية
  • #تلاوة من #القران_الكريم للوالد رحمه الله تعالى

أبو عوف

 وداعاً يا أبي

أبو عوف

على البال ذكراهم يا ليت الليالي تدور        يا ليت الليالي ما خذنّه يجيبنّه

 

عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح الموسى:

تاريخ الولادة: 1/7/1346 هـ، الموافق 25 كانون الأول 1927.

تاريخ الوفاة: السادس من جمادى الأول 1440 هـ، الموافق الثاني عشر من كانون الثاني 2019 .

الوالد وصديق العمر عبدالله بن عبدالعزيز الشهيل من امام كاتدرائية دومو في ميلان عام 1974/7/7
الصورة للوالد مع العم عبدالله بن عبدالعزيز الشهيل في ميلان من أمام كاتدرائية دومو  في الرابع من شهر يوليو من عام ١٩٧١

 

بهذه الكلمات نعى الوالد صديقه العم عبدالله بن عبدالعزيز الشهيل رحمهما الله

الأخ العزيز والصديق الوفي رفيق العمر… بهذه العبارات نعى الوالد صديقه العم عبدالله بن عبدالعزيز الشهيل رحمهما الله رحمة واسعة

 

المقدمة:

“حَرّمَ اللهُ النارَ على كُلِّ هَيّنٍ ليّنٍ قريبٍ من الناس” حديث صحيح رواه الترمذي.

 

أحسبُ أنَّ والدي كان كذلك، هينًا لينًا وقريبًا من الناس، بل إنَّ الكثير من الأقارب والأصدقاء كانوا يرددونها وأحيانًا ينطق بها أشخاص لم يقابلوه قط، لمجرد السماع عنه. لم يكن مجادلًا أو مُحاجًا ولا مُطارحًا للآراء بل كان موائمًا وموجِزًا في الحديث والرأي. جُبل على أن لا يكون ملفتًا للأنظار، غالبًا ما يضع سبابته على وجنته اليمنى وإبهامه أسفل الحنك ويغرق في الصمت، كأنَّه يقرأ شيئًا مكتوبًا في الفراغ.

 

أ- التدوين:

كان قلمه يسير بعفوية، وبما تملي عليه الأفكار والأقدار، بأسلوبٍ فيه تبجيلٍ للخالق -جَلَّ جلاله- وفيه احترام وعناية بلغتنا العربية الجميلة، مع حفظِ الألقاب للناس وتقدير للبعيد، فضلا عن القريب. فلم يكن مستغربًا على الوالد أن يحتفظ بسجِلٍ يُدون فيه يومياته، فهو قديم عَهدٍ بالثقافة، وله باع طويل في عالم القراءة والأدب والشعر، تُدرك هذا من خلال أسلوبه في الكتابة وهو في سِنٍّ مبكرة، يعود البعض منها  إلى عام 9/4/1363 هـ الموافق 2/4/1944 م وهو لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره. (انظر الوثيقة 333). ولكن الغريبَ أنه في زمن يندر أن تجد أحدًا يُدوّن بما في ذلك كبار المشايخ والمثقفين. حتى إنَّ الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله- ذكر في كتابه (من سوانح الذكريات) بأنه شخصيًا لم يُدوّن يومياته، ولم يكتب سيرة حياته إلا عندما تجاوز الثمانين، أي قبيل وفاته ببضع سنوات، معتمدًا في ذلك على ذاكرته التي سقط منها الكثير حسب ما ذكر…! فإذا كان هذا قول علامة الجزيرة نفسه فكيف بالآخرين…! أي أنَّ الوالد قد سبق المدونين الذين ظهروا مؤخرًا على صفحات (الانترنت). ففي يوميات الوالد تنوّعٌ في المضامين، لكنها تندرج تحت الموضوعات الرئيسة التالية:

1- حالة الأجواء والماء

2-الظواهر الفلكية

3-الأدب والشعر

4-المناسبات

5- معاناة الشعب الفلسطيني

وعلى الرغم من حرص الوالد على التدوين والحفظ إلا أنَّ هذا الجانب من شخصيته، ظَل يُمارسه طوال عمره المديد بصمتٍ، ومتوارياً عن الأنظار في معظم الأحيان. لم يُفصح يومًا ما لأحدٍ بأنه يُدوّن يومياته، أو بما لديه من كتب أو وثائق مهمةٍ، بالنسبة لنا على الأقل.

في كل صفحة من تدوينات الوالد نلاحظ الآتي:

  • درجات الحرارة السفلى والقصوى على اليمين من الصفحة.
  • وفي الأعلى تجد النجم أو الطالع.
  • التاريخ اليومي بالسنة الهجرية والميلادية، وأيضًا بالسنة الشمسية.

موضوعات أخرى تتعلّق بأحداث الساعة، نجدها مُتفرقة في ثنايا الصفحات، يتجلى من بينها موضوع فلسطين، وثورة الحجارة، والاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين. يعبر الوالد عن ذلك بألم وحسرة يتجاوز سقف التعاطف السائد بين الناس.

التدوين هو السبب الرئيس وراء شغف الوالد و في سن مبكر باقتناء التقاويم في اوقاتها، ولربما كانت مفكرة الثقافة (تقويم الجيب) من اقدمها، وبالتحديد اصدار شهر رجب من عام ١٩٧٣ هجرية والذي تصدره المكتبة السلفية في الرياض لصاحبها: محمد عبدالرؤف ميلباري التابعة لمكتبة الثقافة بمكة المكرمة. اما رئيس تحريرها فهو صالح محمد جمال.

 

ب- في ظلال النخيل

لقد فَطِن الوالدُ إلى أهمية رياضة المشي، فمارسها منذ وقتٍ مبكر، فاعتادها طوال حياته. كنا نراه -ونحن أطفال- في أواخر الستينيات من القرن الماضي، يُوقِف سيارتَه الــ(نيسان) التي كان يداعبها وهو يسميها (أنيسة)، أمام البيت في شارع الموسى، ويذهب ماشيًا لزيارة مجلس العم الشيخ محمد بن أحمد الموسى الذي كان مَعْلماً للوجاهة، والأبهة، ومَقصدًا لكبار الشخصيات في الأحساء وخارجها. أيضًا يُعرج أحيانًا على بعض الأقارب من العائلة والأصدقاء المنتشرة بيوتهم على طول ذلك الشارع. وعندما يأتي المساء تكون متعة الصغار من أبناء العائلة قد بدأت خلف مقود سيارته (أنيسة) التي لا تحتاج إلى مفتاح لتشغيلها، بل يكفي طرف ملعقة، أو سكين…! فيجوبون الشوارع طوال الليل، وعند الفجر ترجع (أنيسة) إلى مكانها بسلام. أحياناً يكتشفهم الوالد صدفةً، فيبتسم لهم بابتسامة فيها رضا تحفزهم على معاودة هذا العبث…!

في الأيام الأولى من شهر إبريل من عام 99 م، كانت درجة الحرارة أعلى من المعدل الطبيعي، والمعتاد في هذا الوقت من السنة، وعلى الرغم من حرارة الجو غير العادية في هذا الفصل، إلا أن ذلك لم يمنعه من ممارسة رياضة المشي في الطرق الزراعية الواقعة شمال المزرعة. كنتُ أسير بجانبه أشبه بزورق شراعي صغير يحتمي بسفينة، نمضي في الطرقات بين الأشجار المحملة بالثمار، فتخفّف عنّا مكابدة الشعور بالحر، يُعززها إلفة المكان وهاجس الانتماء إليه. تزهو جنبات الطريق بأزهار الرمان، والليمون وبثمر البلح، والتين الذي لا يزال أخضر كلوحةٍ جميلة، لم أكن لألتفت إليها لولا تعلقي بالوالد في تلك الفترة القصيرة، فينتابني تيار يُنبهني من غفلتي بأنَّ الأحساء بلد جميل على العكس من حظها العاثر. أما الوالد فلديه قناعة يرددها دائمًا بأنَّ الأحساء قد زُحزحت ووضعت على الهامش من قبل مسؤولين تعمدوا الإساءة إليها؛ فلقد مررنا في طريقنا بنخلةٍ جذعها أعوج، لامست أطراف سعفاتها الأرض، نظر إليها الوالد قائلا: “إنَّ حالَ الأحساء كحالِ هذه النخلة، كلاهما قد كابد وتَوجَّع، ومع ذلك بقي صابرًا مُحتَسِبًا…!”.

لم أكن أشاطر الوالد الحماس نفسه في كون الأحساء بلدًا مهمًا وجميلًا ومن الممكن أن تكون وجهة سياحية، إلا عندما قرأتُ قطافًا من كتاب (السعوديون والحل الإسلامي) للكاتب محمد جلال كشك، يشير فيه إلى أنَّ من أعظم إنجازات الملك عبد العزيز هو ضم الأحساء إلى مملكته. كذلك الكاتب البريطاني روبيرت ليسي في كتابه (المملكة)، أشار إلى أن الملك عبد العزيز حين ضم الأحساء إلى مملكته عام 1913م، فإنه ضم أثمن وأغلى بقعة على وجه البسيطة. وأيضًا الرحالة الإنجليزي وليم بلجريف، الذي زارها ووصفها بأنها تشبه الغوطة في دمشق من حيث كثافة الأشجار وجداول المياه.

 

نَسُج بأقدامنا، ونحن في راحة بال، تعترضنا أحيانًا إحدى قنوات الري فَتُجبرنا على القفز من فوقها، أو العبور من تحتها، فيؤديها الوالدُ بخفة ورشاقة. يعرف الدروب الهادئة وتعرجاتها وقد أَلِفَ التردد عليها. نصادف في طريقنا بعض المارة من الفلاحين البسطاء أو العمال فيبادرهم بالتحية ويتجاذب أطراف الأحاديث معهم، بطريقة تجعلهم يشعرون بالسعادة والامتنان، ثم يودعهم بالدعاء لهم بالتوفيق. أشاغبه بالأسئلة كلما حلّ الصمت بيننا؛ بغية التحايل على ذاكرته، فيحدثني عن المزارع وأصحابها وتاريخها ويُقلِّب صفحات الماضي، والحاضر، بصوتٍ خافتٍ مُريحٍ ومسموع، فمن أبرز صفاته قلة الكلام، لا يطنب في الحديث، يتروّى في الإجابة، ويختار الكلمات، والردود بعناية فائقة، تُسعفه في ذلك حصيلة هائلة من أفانين الكلام، التي اكتسبها منذ أن كان شابًا يافعًا، في اللغة والأدب والشعر العربي؛ النبطي منه والفصيح. غالبًا لا يقطعه عن حالة الصمت والإطراق التي تُتَوّج شخصيتَه إلا دعابة أو طُرفة أو أن يأتي الحديثُ في الشعر والأدب أو اللغة، فتجده يقفز فجأةً عن صمته ويُشعل جَوّنا حماسًا بأبيات لابن المقرب:

من أرعفَ السيفَ من هام العدا غضبا       للمجد حق له أن يُرعف القلم

ثم يُلحقه ببيتٍ آخر:

وأحفـــــظ المُلك مـــــن لعبِ الــرجال بــه         فالملك لا يستقِم أمره على اللعب

 ويسترسل مصعدًا: 

سَل القرامط من شظى جماجمهم             طرًا وغادرهم بعد العلا خدما

وأخسر الناس فيها ربُ مملكةٍ                  أطاع في أمره النسوان والخدما

وقبيل أن يهجع قُرص الشمس، ويختفي من وراء سعف النخيل، نعود قافلين إلى مبنى المزرعة ورائحة القهوة تُلعلع وتهتف لنا من بعيد. يكون حينها أخي عبد الوهاب (أبو سعد) مُتحريًا قدومنا، فنجلس على الأرض متقابلين نرشف فناجين القهوة على مهل ونحن في حالة من الصمت والاسترخاء.

(أبو سعد) شاعر، ولديه مخزون هائل من القصائد وله قدم راسخ في فنون الشعر وبحوره، يعرف كيف يُهبهب قريحة الوالد، يِتَحيّن الفرصة الملائمة فيرمي له بطرف بيت من أحد القصائد التي تستهويه:

“يا طير يالّي في الهوى لك تخافيج…”

فيكمل الوالد قصيدة الشاعر حمد المغلوث بشيله

…بالله ما تنقل سلامي لخلي

يا طير ما تشرف على الشوق وتويق

وتخبر المجمول عن عبرتٍ لي

ثم يجهش بالبكاء حزنًا على الحبيبة (انظر: المقطع الأول/أسفل).

 

ثم ننهض؛ لنصلي صلاة المغرب، فيُصرّ على أن لا يتقدم في إمامة الصلاة، فبلا ريب فإنَّ تواضعه قد أفضى به إلى حالةٍ من الإيثار، وإنكار الذات. بعدها ينسحب الوالد بهدوء، وأنا وعبد الوهاب نرنو إليه بنظراتٍ مرسلة، وإذا به يقفز في البركة بكل انسيابية، ورشاقة بطريقة نعجز نحن عن أدائها…! ثم ينادينا وهو في الماء قائلاً: “لا تُفوّتوا هذه الفرصة، استمتعوا بهذه النعمة قبل أن تنضب…!” فمنذ سنوات طويلة وقبل أن تلحظ الناس بداية انخفاض المياه، وهو يتابع بقلق الانحسار المستمر للماءِ في ينابيع الأحساء، مواظبًا على قياس، وتسجيل منسوب الماء في بئر المزرعة بين فترات متفاوتة وعلى مدار فصول السنة. كما أنَّ هذا الشيء لا يقل أهمية بالنسبة له عن قياس وتسجيل درجة الحرارة، ربما للارتباط الوثيق بينهما؛ لذا تجد موازين قياس حرارة الجو (الثيرموميتر) موزعة في كل أرجاء البيت وفي المزرعة حتى صارت ضمن الهدايا التي تُقدم له إذا سافر أحد أقاربه.

كان أبي إنسانًا لصيقًا بالأرضِ والماءِ والهواءِ والناسِ، يتألم لألمهم ويفرح لفرحهم. يحب الأطفال، ويبتهج لمشاهدة لعبهم وعراكهم، ولا يرضى لأحد أن يمنعهم من اللعب، فضجيجهم وإزعاجهم يُسميه موسيقى…! في جعبته لكلِّ طفل كنية أو لقب، فمثلا حفيدته مريم يلقبها أم الوجيه، وحفيده الآخر فيصل يُكنّيه أبا تركي، وحفيدته سارة يسميها (سالي لحمد) فقد كانت هكذا تنطق الصلاة على محمد وهي صغيرة…!

كذلك أبناؤه؛ فأختي الكبيرة أعطاها لقب (ست الحبايب) كذلك إخواني فأخي عبد الله (البطل) وعبد الوهاب (أبو هجر) ومساعد (قايد الخير)، حتى الأصدقاء فمثلًا خالد اليوسف ركب حصانًا، ووضع عصابة على رأسه أثناء حفل استقبال أمير المنطقة الشرقية فصار يُسميه (أبا دجانة) نسبة للصحابي الجليل. أما أمنا أم صالح الجبيرة -رحمة الله عليها- فيسميها (أم الأئمة)؛ لكون ابنيها يوسف وعبد الله مشايخ في العلم الشرعي ويؤم كل منهما مسجدًا. أما أمي فاطمة الحادي المرأة الطيبة العافة، الكافة عن الناس يلقبها بــ (حمامة السلام) وأمي الأخرى شريفة السويعي، التي كانت ذكية ولماحة فيسميها (الدكتورة). ولا تجد من بين تلك الكنايات والألقاب ما هو غير لائق أو غير مقبول لصاحب اللقب.

فعلى الرغم من عمره المديد شعرنا بأنَّ الوقت الذي قضيناه معه لم يكن مديدًا بل كانَ قصيرًا كالحلم…! أمَّا أمي فكانت بالنسبة لنا كظلٍّ وارفٍ لشجرة في أرض مجدبة، فلما توفيت صارت الذاكرةُ تجهش بألم الفراق المتكرر في كل ذكرى لكلمة منها أو موقف لها. بعد وفاة أمي صار أبي -بعد الله- قارب النجاة الوحيد الذي حاولنا التشبث فيه. فلا غرابة فلقد كان أبي هينًا لينًا ودودًا طيب المعشر، نفسه اعتادت وألفت دوام القناعة والرضا. الأمر الذي جعله يحضى بودّ عميق ومنزلة خاصة في قلوب الآلاف من الأصدقاء. ولعلي لا أجانف الصواب إذا قلت بأنَّ في قلبه حبًا يفوق كُلّ الحب الذي له في قلوب الناس. بعد أقل من سنتين توفي أبي؛ فشعرنا بوحشة الزمان والمكان، كأننا نعيش في أرضٍ بلا أنيس، فلم يكن ذلك مجرد حزنٍ، بل وجع فيه أنين لفراق إنسان رقيق القلب وصافي النية.

كان قلبه منصرفاً عن الزهو بالنفس، أو أن يَنسِبَ إلى نفسه الفضلَ في شيء حتى لو شهد له الناس بذلك. لقد عَف عن البروز كما يعف الشبعان عن الزاد، فعوضه الله مكانةً رفيعة بين الناس. لم يكن أبي ممن يحبون الأضواء أو يتصدرون المجالس، بل على العكس كان يتنازل عن الجلوس في صدر المجلس حتى لمن هم أقل منه سنًا ومكانة، مخالفًا بذلك ما واظب عليه الناس، الأمر الذي يُثير حفيظة أصحاب المجالس فيتوددون إليه بالعدول عن ذلك بينما هو يقابلهم بالإصرار والتَمنّع. أما إذا أعيته الحيلة فيجلس هنيهة؛ مراعاة لشعورهم ثم لا يلبث أن يُخلي مكان الجلوس بهدوء ويجلس بعيدًا عن استعراضية المكان. يتكرر هذا المشهد في ركوبِ السيارة، فتراه يختار المقعدَ الخلفي عِوضًا عن الجلوس في الأمامي؛ إكرامًا لمن معه بغض النظر عن اعتبارات السن والمكانة الاجتماعية، يندرج على ذلك الأولوية في الدخول والخروج إلى المجالس، فإذا دخل إلى أي مجلس يُبادر أولاً بمصافحة الخدم ويحيّيهم بتحية فيها درجة عالية من الاحترام. تلك مروءات وأخلاق شب وشاب عليها.

حتَّى في أيامه الأخيرة وهو على السرير الأبيض في مستشفى الموسى عندما احتدم عليه الألم وبلغ أقصاه، كان صابرًا محتسبًا لم يشتكِ قط. بل كان دائمًا يُطمئننا، ويحمد الله ويقول أنا بخير، فيقابل الأطباء بابتسامة تثير استغرابهم وإعجابهم في آنٍ واحد. دائمًا يرددون هذا القول: “هذا الإنسان ليس كبقية المرضى، فعلى الرغم من مرضه العضال إلا أنه دومًا يقابلنا بابتسامة وأريحية…!” وأما نحن إذا قلنا له: لماذا لا تخبر الأطباء عن معاناتك؟ فيرد بالدعاء لهم قائلًا: ماذا تريدوني أن أقولَ لهم!، إنهم يعرفون علّتي ومواطن ألمي، وقد بذلوا جهدهم جزاهم الله خيرًا.

 

لم يكن الوالد يعرف الجدال، بل كان حليمًا يطفئ الجدال بلين الجانب وبطول الأناة. أمّا إذا تعرض الغائب للانتقاد فيدافع بلينٍ وسكينة. كانَ قلبُه نَقيًا من البغضاء، لا يعرف الغضبَ، ولا أذكر أنه قد اغتاظَ يومًا من أحد. بل على العكس تجده يدفع بالتي هي أحسن في جُل تعامله مع الناس. محبًا للأدب والشعر بشقيه الفصيح والنبطي. مُبجلًا لطلبة العلم، يحفظ لهم مكانتهم، ولا يبخس حق أي منهم مهما تضاءلت درجة علمه، بل يضعهم في المكانة التي هم يصبون إليها. فعلى الرغم من صمته في معظم الأحيان، لكنه سكوت الذي يعلم. وإذا تحدث لا يتكلف الفصاحة، ولا يلحن في القول. المقطع الذي في (الأسفل) يُدلّل على ما ذكرته، وكان خطابا موجهًا إلى نساء العائلة بمناسبة اجتماعهم في العيد.

 

 

ج- في رحاب القرآن

كان الوالد -رحمه الله- يأنس ويحرص على قراءة كتاب الله، خصوصًا في أوقات الضحى وقبيل الظهيرة من كل يوم. يجلس في صالة الجلوس التي تتوسط المنزل ويجهر بالتلاوة وهو في حالة استرخاء وطمأنينة، لا يقطعه عن القراءة الذين يجوبون المكان ذهابًا وإيابًا باستمرار. يمر على الآيات بانسياب ويترك لديك إيحاء بأنَّ القارئ قد تعود على قراءتها مرات عديدة فترسخ وتوثق عنده نطق الآيات تلقائيًا.

كما أن للقرآن الكريم أثرٌ جَليّ في تكوين شخصيته، فلقد غَذّى لسانه وأكسبه بَصيرة في القول والعمل. لقد حفظ أجزاء عديدة من القرآن منذ الصغر، وداوم على قراءته في الكبر، فجادت لغته وانطلق لسانه فصار كلامه مُحكمًا لا تلعثم فيه. كان يأنس بقراءة القرآن، يتلوه بصوتٍ بين الخفوت والجهر، بنبرة في ثناياها حزن وخشوع (انظر: المقطع/أسفل) لذلك تجده -إذا لزم الأمر- ينتقي ما يطابق القران؛ ليدعّم به رأيًا أو مسألةً في الأدب أو اللغة. كما يُلحظ في يوميات الوالد أنَّ نفحات من القرآن الكريم ألقت بظلالها على الأسلوب الذي يتبعه في الكتابة. مع ذلك إذا نُظِر إلى هيئته لا يُعطي انطباعا بأنه رجل دين أو متدين، بل فيها بصمة وراثية متسامحة ومتصالحة مع النفس.

 

 

 

 

 

أولاً: أبو عوف

أ-الكنية… المكان والزمان :

تذكرت شيبانٍ لنا يوم حنّا بزور … يحثونا بالطيب والفرض والسنة

 

أُطلقت عليه هذه الكُنية (أبو عوف) في رحلة الحج وهو لم يتجاوز السادس عشر من عمره في عام 1363هـ اي (1943) مـ كُني بها تشجيعاً له من قبل كبار السن، نظراً لتفانيه في أداء أعمال السفر مثل نصب الخيام وجمع الحطب وخدمة منهم أكبر منه سنناً. وقد ذكر لي الوالد بأن الجو كان بارداً وممطراً وأنها كانت رحلة الحج  الأولى من الاحساء إلى مكة بواسطة سيارات (الدمنتي) عوضاً عن ظهور الإبل. فكان الوالد والخال محمد بن عبداللطيف العفالق (أبو منذر) الذي عُرف بطلاقة اللسان وسلامة المنطق والعم عبدالله بن محمد الشهيل الذي تفرد بخلق يُشار اليه بالبنان بين الناس. كانوا هؤلاء شباب برفقة ثلة من وجهاء الاحساء يحضرني منهم: الشيخ عباللطيف العفالق واخيه عبدالله والشيخ عبدالرحمن بن علي المبارك والشيخ عبدالعزيز البراك والعم الشيخ أحمد بن صالح الموسى والشيخ عبدالحميد المبارك و الشيخ عبدالله الشهيل واخيه محمد. وقد ذكر الوالد أن الشيخ عبدالرحمن بن علي المبارك كان فقيهاً و أديباً وشاعراً أما الشيخ عبدالحميد المبارك فكان بارعاً في بحور الشعر وأوزانه.

وقد دون العالم الجليل الشيخ عبدالرحمن بن علي المبارك وقائع هذه الرحلة في قصيدة جميلة عنوانها (في رحلة الحج ومناسكة ) اعتنى بها الدكتور نايف بن عبدالرحمن المبارك واخرجها في كتاب يحمل نفس العنوان (أسفل) وقد اخترت منها بعض الابيات التي اشتملت على اسماء لاشخاص ومواقع مروا  اثناء تلك الرحلة. حيث تم اختيار الجد عبدالله الشهيل اميراً عليهم، وكانت الامامة في الصلاة من نصيب الشيخ عبداللطيف العفالق واخيه عبدالله مؤذناً. كذلك وقع الاختيار على الشيخ عبدالرحمن ليكون وزيراً للامير.كما تناولت القصيدة وصولهم الى بلدة البدائع في القصيم وعن الكرم الذي وجدوه من قبل احد رجال هذه البلدة. ايضاً جاء فيها ابيات عن تأدية المناسك في الحرمين الشريفين. وعندما انهوا مناسكهم قفلوا راجعين مرواً بالرياض وحلوا ضيوفاً على كل من ابو نيان والشيخ عبدالعزين بن ثنيان الذي تربطه علاقة صداقة بالجد عبدالله الشهيل. هذه قصيدة في رحلة الحج ومناسكة :

 

عندما وصلوا القصيم عائدين من المدينة كان وادي (الرمة) قد سال بفعل الأمطار الغزيرة تلك السنة، فعبروا الوادي عند بلدة (البدائع) نظرًا لصلابة أرض الوادي عندها، وحطوا رحالهم في الجهة المقابلة بالقرب من مزرعة فيها منزل، تبين–لاحقًا- بأنها للشيخ محمد الصالح السديس. ولمّا عَلِمَ الشيخ محمد السديس بنزولهم أرسل ابنه؛ لتقديم واجب الضيافة لهم، فشكروه واعتذروا منه وقدموا له (قلّة) من التمر هدية حملوها إليه الخدم. ثم جاءهم بنفسه وقال: “عندما لم تستجيبوا لدعوة ابني جئتكم بنفسي” فأصرّ في طلب ضيافتهم فاستجابوا له بعد طول إلحاح على الرغم من عدم وجود معرفة سابقة…! فلا عجب، ففي معجم الكرماء لا توجد مفردة اسمها غرباء، بل إن الكرم والضيافة -بالنسبة لهؤلاء- موروث أصيل فيه سعادة واستمتاع. ثم توجهوا إلى مزرعته، التي ذُكر لنا بأنَّ اسمها (سديسه) لم يبقَ منها –الآن- سوى أطلال. كان بيته بداخل تلك المزرعة، ففتح لهم البيتَ كاملًا، وكانت هي وسيلته الأولى لرفع الحواجز بينه وبينهم. ثم أجلسهم في غرفة يتوسطها وُجَار (مشَبّ) التفوا من حوله يتسامرون، يأكلون التمر مع الجراد، ويحتسون القهوة في ليلة من ليالي الشتاء لا يقطع حديثهم سوى حَسيس لهب أعواد الغضا. ثم قدم لهم وجبة عشاء عبارة عن طلي ترف، صغير السن كبير في الحجم، وبعد أن تناولوا العشاء هيأ لهم غرف المنزل جميعها، التي لم تكن سوى غرفتين. وعندما قاموا لصلاة الفجر ذهبوا لمسجد متنآئي عن المزرعة، ولكنهم تفاجأوا عندما دخلوا المسجد وشاهدوا عائلة الشيخ صالح وهم يغادرون المسجد…! لقد أخلى هذا الرجل المنزل لهم وآثر أن تنام عائلته في المسجد إكرامًا لضيوفٍ لا يعرفهم ولم يَرهم من قبل…! إنها رائعة من روائع كرم أهل القصيم.

بعد أن أصبحت الشمس في رابعة النهار شدوا رحالهم، وقد ظل الشيخ محمد يسايرهم في الطريق ويساعدهم كلما غاصت عجلات سيارتهم في الطين، ولم يفارقهم حتى تأكد من أنهم قد سلكوا جادة الطريق. وقد أخبرنا أحد الأصدقاء الأفاضل بأنَّ الشيخ محمد الصالح السديس قد أمد الله له في العمر حتى تجاوز المئة عامًا، وأصبح فيما بعد من رجال الأعمال البارزين، وقد أعاد بناء ذلك المسجد وأصبح جامعًا تصلى فيه الجمعة إلى يومنا هذا. رحم الله الشيخ محمد الصالح السديس، ورحم الله ذلك الرهط من الرجال الذين كانوا ضيوفه، فأكرمهم كرمًا يستحق أن تضرب به الأمثال. يُذكر أنَّ الشيخ محمد الصالح السديس قد قضى حياته في الكفاح، وعمل الخير وأسس الشركة المشهورة –الآن- شركة السديس للنقليات.

ب- الصديق والصداقة :

أحيانًا يُكنى الوالد بأبي عبد الله؛ نسبة لابنه الأكبر، ولكن تبقى أبو عوف هي الكنية الأكثر تفرداً وخصوصية، فلم يكن في البلد –آنذاك- من يحملها على نطاق واسع سواه. تلك الكنية التي لازمته طوال حياته، فارتبطت في مسامع الناس بالطيبة والتواضع. فصرنا أبناء أبي عوف وبيتنا بيت أبي عوف، حتى أخي عبد الله صار عبد الله أبي عوف وأنا كذلك وبقية إخواني وأخواتي. يتكرر هذا المشهد عندما نقابل أحداً لا يعرفنا، ونقول له نحن أبناء أبي عوف؛ تلقائيًا تنفرج أسارير السائل بابتسامة جلية تنم عن رضا وإعجاب. أحيانًا أسأل أو أتساءل: كيف استطاع الوالد أن يصل بعلاقاته مع كافة أطياف المجتمع إلى هذا المستوى من الألفة…؟ واللافت للنظر أنه حقق ذلك في سن مبكرة…! ناهيك أنَّ تلك العلاقات لم تكن طارئة أو حديثة انما تكونت تدريجياً، بل شاهدناها، وعرفنا عنها أنا وإخواني وأخواتي منذ أن كان هو شاب ونحن أطفال صغار. كما أنها لم تكن مجرد علاقات رسمية قائمة على الاحترام المتبادل فحسب. بل هي أبعد وأعمق من ذلك، أشبه بنسيج من الانتماءات المتعددة تختلط فيها وشائج القربى بصداقات متشعبة ومتشابكة لا تشوبها شائبة. هي أقرب إلى الصلة الحميمة وأبعد ما تكون عن التكلف. فلم تكن الفئة العمرية أو الاجتماعية تمثل حاجزاً في تعامله مع الناس، لذا تجده صديقاً للأب وابنه وأحيانا تمتد العلاقة إلى أحفاده كما هو الحال بالنسبة للعم الشيخ محمد بن أحمد الموسى، والخال الشيخ حمد بن محمد الجبر.

بيدَ أن والدي لم يكن من أصحاب الثروات أو المناصب؛ ليحظى بكل هذا الحب في قلوب الناس، ولكن كما يقال (الصيت ولا الغنى) والسبب وراء ذلك بسيط؛ لأنه يحب الناس حباً صادقاً ويجل العلاقات. منذ الصغر كنت أشاهد الوالد في المناسبات محاطاً بأصدقائه وأحياناً ينفرد به أحدهم في حديث ربما لأمر خاص أو ليُفضي له سراً، فهو أمين على الأسرار، لا يتغير أو يتبدل كالبحر لا يُغير لونه ولا يخون ملحه، ناهيك بأنه يؤمن إيماناً قوياً بخصوصية الآخرين، فلم أسمعه –قط- يُفشي سراً لأحد. بل إذا أردتَ إبهاجَه فانقل له الأخبار السعيدة، كنجاح أحد الأقارب، أو تفوقه، ونيله جائزة.

يحزن على أصدقائه في الملمات، ويفرح لنجاحهم، تتضخم في عينيه محاسنهم وتختفي عيوبهم عن سمعه وبصره. أذكر أنَّ للوالد صديقًا ثريًا يمتلك المليارات، كان لديه مبنى ضخم تحت الإنشاء، وفي كل مرة نَمرُّ باتجاه المبنى يدعو الوالد له من قلبه وبإلحاح بأنَّ الله يعينه ويساعده على إتمام هذا المشروع. بينما أنا وأخي عبد الوهاب يُحدق أحدنا في الآخر بابتسامةٍ عبثية، ولسان حالنا يقول: ما الهدف من الحرص والإلحاح في الدعاء لهذا التاجر…؟ فهذا المشروع بالنسبة لثروته لا يساوي حبة رمل في ميزان ثروته! لكن الوالد لا يفهم هذا المنطق، فهو يتمنى الخير للناس من دون أي اعتبارات دنيوية.

منذ أن كنا صغارًا، ونحن نزور إحدى القريبات للوالد وفي كل مرة نشاهد دموعها تنهمر وهي تعانقه وتتمتم بعبارات حب تخرج من صدرها. كنا حينها نشعر بالحرج ولكن بعد أن كبرنا فهمنا أن قريبة الوالد تلك لا تستطيع التعبير عن حبها الكبير له إلا بهذه الطريقة فحبها له أكبر بكثير من الكلمات.

أحد أصدقائه الخاصّين دخل في غيبوبة، وأول كلمة قالها لأولاده عندما أفاق: أريد أن أرى أبا عوف أين هو…؟ لم يسأل حتى عن إخوانه أو أبنائه…! فنودي على أبي عوف؛ ليُلقي النظرةَ الأخيرة على أحد أصدقاء العمر. وفي كل مرة نَمرّ على بيته يتنهد الوالد ويدعو له بدعاءٍ، وهو يحبس أنفاسه عن البكاء.

تعرض صديقه الشيخ عبد الله بن محمد آل الشيخ -رحمه الله- إلى جلطة في آخر حياته، بعدها انقطع عن الناس، ورفض مقابلة أحد حتى أقرب الأقرباء. فصار الناس يأتون إلى بيته في مكة ولا يدخلون عليه، بل يكتفون بمقابلة أبنائه، والسؤال عنه، ثم ينصرفون من باب تأدية الواجب. أما إذا قالوا له أن الزائر هو (أبو عوف) فيقول وبدون تردد: “دعوه يدخل عليَّ، أريد أن أراه” وعندما يلتقيان تختلط فيه مشاعر فرحِ اللقاء بدموع الذكريات.

 

ثانيًا: في مقاعد الدراسة:

كراس الوالد لمادة القواعد، يعود تاريخه إلى التاسع من ربيع الآخر من عام 1363هــ، الموافق 11 إبريل 1944م أي بعد 12 عامًا من تأسيس المملكة (أنظر: 333/أسفل) كان عمره آنذاك 17 سنة تقريباً وفي الصف الرابع ابتدائي. على اعتبار أنَّ الطلاب في ذلك الوقت يلتحقون بالمدارس وهم كبار في السن، وبعد أن أمضوا عدة سنوات في التعلم لدى المطوع أو الكتاتيب. أما الغلاف الخلفي (انظر: 777/أسفل) فيشير إلى أنَّ هذا الكراس قد طبع في مدينة (Jagadhari) في الهند. من الواضح أن الطالب كان مجتهدًا، فقد حصل على الدرجة الكاملة كما هو مبين في الصفحة الثانية من الكراس (444) وهناك في الغلاف من الداخل (انظر: 222/أسفل) قصيدتان من أغاني الأصوات الخليجية الأولى: من القصائد المغناة (سألتك أدعوك يا معبود يا فردي) من أغاني الصوت الخليجي لمحمد فارس والثانية: قصيدة مطلعها (قريب الفرج يا دافع الهم والعسر) أيضًا من أغاني الصوت. كان له اهتمام بأنواع الفنون ومنها الصوت الخليجي، يحرص على حفظ قصائده المغناة. أما صفحات الكراس فهي مجموعة من مسائل في قواعد اللغة ولا أظن بأن هناك سبورة ينقلون المسائل منها والمرجح أن المعلم كان يمليها عليهم.

أما كتاب الجغرافية الواضحة (انظر: 888/أسفل) للسنة الخامسة الابتدائية، فقد جاء وفق منهج التعليم في لبنان، الذي طُبِع في عام 1952م في بيروت. في مقدمة هذا الكتاب (انظر: 881/أسفل) وضع الوالد العبارة التي يستهل بها أي كتاب يقع في حوزته، وهي: (دخل هذا الكتاب في حوزة الفقير إلى الله عبد الرحمن بن عبد الوهاب بن صالح بن أحمد بن عبد الله بن سالم الموسى بموجب الشراء الشرعي من مكتبة التعاون الثقافي في الهفوف) وفي أعلى الصفحة من اليسار كتب التاريخ: 16.6.1372 هـ وأيضاً التوقيع ثم ذكر بأن ثمن الكتاب هو 3 ريالات و25 هللة. ولنا أن نتأمل كتابًا من 130 ورقة يُطبع في بيروت ويُباع في الأحساء بهذا الثمن…! أيضاً كتب اسمه بالإنجليزي بأحرف متفرقة وبخط جميل وبلا أخطاء.

كما احتفظ الوالد بشهاداته بما في ذلك رقم الجلوس. فقد أنهى المرحلة الابتدائية عام 63 هـ، ولم تصدر الشهادة إلا في عام76 هـ. ومن الملاحظ أن عدد الناجحين 6734 وكان ترتيبه 1649 وكانت شهادة الابتدائية في ذلك الوقت تصدر من وزارة المعارف في الرياض.

أما شهادة الكفاءة فقد حصل عليها عن طريق نظام ثلاث سنوات انتساب في عام85/86 هـ، كما هو مبين في الشهادة. وقد ذكر هو لي بأنَّ المتقدمين كان عددهم يفوق الأربعين، لم ينجح منهم سوى ثلاثة، كان هو أحدهم، والثاني ذلك الرجل الطيب حسين الناصر الملقب (الشبيبي) صاحب دكان الخياطة في سوق الديرة في المبرز وشخص آخر لا أتذكر اسمه.

 

ثالثاً: أشياء من هنا وهناك:

أ- حفظ الوثائق:

لم يكتفِ الوالد بالتدوين فقط، بل كان يحتفظ بكل وثيقة أو خطاب أو قصاصة ورق تقع بين يديه، مقصده في ذلك الفائدة العامة. فهناك كرّاس الواجب لمادة الجغرافية للعم عبد العزيز أخيه الأصغر، عندما كان في ثاني ثانوي

عام 76 هـ:

يُلاحظ أنَّ الوالد استعان بشريط لاصقٍ؛ لحماية أوراقه من التلف. ولو قلبنا الصفحات واخترنا عشوائيا إحداها (انظر: 17/أسفل)؛ لاكتشفنا الدقة والإتقان في رسم الخرائط وعن حجم الجهد الذي يبذله الطالب في ذلك الوقت. ومن الملاحظ أيضاً أن الخريطة تبين بنغلاديش قبل انفصالها عن باكستان عام 71م، والتي كان اسمها باكستان الشرقية. فعلى أية حال، يبدو أنَّ جمال الخط والعناية به سمة غالبة لدى الطلاب في ذلك العصر، يُعزز ذلك النظر إلى الصفحة (18/أسفل) فعلى الرغم من جودة خط الطالب إلا أنَّ الأستاذ لم يمنحه أكثر من 7 من 10! ومن المفارقات العجيبة أن الملكة اليزابيث والأمير تشارلز (انظر: 19/أسفل) هما صورة الغلاف لكراس واجب مادة التوحيد لدولة سلفية بامتياز! ناهيك أن ملكة بريطانيا هي من يقف على رأس الهرم بالنسبة للكنيسة الإنجليزية! أما الغلاف الخلفي للمادة نفسها (انظر: 20/أسفل) فيحتوي على معلومات متنوعة من أغربها عملة إنجليزية اسمها (Farthing) توقف العمل بها عام 1961 م، كما يُلاحظ وحدة أوزان لم يعد أحد يستخدمها اليوم مثل أوزان الأدوية وأيضاً وزن التبن إذا كان جديدًا أم قديمًا.

من بين الأوراق عثرت على شهادة لأخيه الأصغر العم عبد العزيز وهي شهادة إتمام دورة في اللغة العبرية عام 84 هـ، من مدرسة اللغات التابعة للقوات البرية (انظر: أسفل).

أما الخطاب (انظر: 13/أسفل) وهو عبارة عن دعوة من شركة (فليب هولزمن) للمشاركة في رحلة جوية فوق منطقة الأعمال، للاطلاع على سير العمل في هذا المشروع الجبار. سنجد أنَّ هذا الخطاب يحتوي على معلومات مهمة بما في ذلك التكلفة الإجمالية للمشروع ونسبة الإنجاز. هذا المشروع العملاق الذي كان يعتبر حدثاً تاريخياً بالنسبة لأهل الأحساء، ونقطة تحول في نظام ري؛ اعتمدت عليه الواحة ربما لآلاف السنين.

إن احتفاظ الوالد بالأشياء نابعٌ من وعيه بأهمية حفظ التراث، ومن روح الوفاء لديه تجاه الأشخاص والأشياء. فعلى الرغم من حجم ما قام بتدوينه إلا أننا لم نكن نشاهده وهو يدون يومياته إلا فيما ندر، فقد اعتاد أن يدون خلسة بحيث ينسحب إلى خلوة في المنزل، وفي الأغلب يحتفظ بسجل يومياته بجانب سريره فيكتب قبل القيلولة أو بعدها، أو قبيل أن يأوي إلى فراشه ليلاً.

فعلى سبيل المثال إذا أحببت أن تعرف تكاليف الزواج لعام 72 هــ، بالإضافة إلى أسعار الخدمات والسلع بالإمكان النظر إلى هذه الوثيقة (9) التي تحتوي على بيان مفصل للأسعار آنذاك، حيث جاء فيها بأنَّ مهر الزواج (3700) ريال، أقل من المعدل الحالي للمهور بـــ 27 مرة على اعتبار أنَّ المعدل الحالي لأسرة مماثلة هو (100000) ريال. بينما بلغ إجمالي تكاليف الزواج آنذاك 7125 ريال علماً بأن هذه التكاليف لزواج أسرة ميسورة الحال، ناهيك أن العروس هي ابنة الشيخ محمد بن أحمد الموسى أحد الرجال الأكثر وجاهةً وثراءً في الأحساء. لذا لو استبعدنا مبلغ المهر لأصبحت تكاليف الزواج بجميع مستلزماته هي (3425) ريالًا. فلو افترضنا أنَّ أعمار الزوجين قد توقفت إلى هذا الزمن الذي نعيش فيه وأردتَ أن تقيم زواجهما؛ لاحتجت أن تضيف صفرين على يمين الرقم المشار إليه.

إن قائمة أسعار السلع والمواد والخدمات في هذه الوثيقة من الممكن اعتبارها مرجعاً مهماً للباحثين عن معرفة العادات والتقاليد في الأحساء قبل ٧٠ عامًا مضت وعن معدل حجم التضخم بما في ذلك التغير الذي طرأ على طقوس وتكاليف الزواج. ولو أمعنت النظر في القائمة سوف تجد فيها (28 ريالًا أجرة الندافة) فكلمة النداف عربية فصيحة تعني نفش القطن؛ لإعادة الحياة للمفروشات القطنية من فرش ووسائد وخلاف ذلك. وتتكون عدة الندافة من عصا مرنة من شجر الرمان وقوس خشبي به وتر من سلك معدني ومطرقة خشبية بحيث تتم عملية نفش القطن عن طريق تمريره على الوتر. والنداف رجل يتنقل بين البيوت للقيام بعمله وغالباً يتمتع النداف بشخصية مرحة يتحدث إلى أهل البيت ويداعب الأطفال. لقد اختفت هذه المهنة من الأحساء وغيرها. أيضاً جاء في القائمة (744 أجرة الرشيدية) والرشيدية هم رجال ونساء يقومون بإبلاغ المدعوين بموعد ومكان الزواج عن طريق الذهاب إلى بيت كل شخص من المدعوين وإبلاغه شفهياً بذلك. أما (الفيمتو) ذلك المشروب الذي اعتاد الناس تناوله في شهر رمضان فكان يعد من المشروبات الفاخرة وربما لا يقدم إلا لكبار الضيوف وتلاحظ أن ثمنه كان 13 ريالًا للخمس قوارير، أي أنَّ ثمن الواحدة قبل 68 عامًا هو 3 ريالات، وكان يعتبر مرتفعاً جداً بالنسبة إلى مستوى المعيشة في ذلك الوقت فثمن قارورة فيمتو يساوي أجرة عامل ليوم كامل في المزرعة.

أيضاً جاء في نفس القائمة عباية صوف ثمنها 190 ريالًا، وأخرى (ماهود) ثمنها 300 ريال، والماهود هو نوع من القماش الفاخر. فلو عدنا إلى العروسين وافترضنا أنهما يريدان شراء عباية فاخرة لدفعوا مبلغًا يتراوح بين 800 إلى 1200 ريال؛ لذا لا أعتقد أنَّ سعر العبايات قد تضاعف كثيرًا كما هو الحال بالنسبة للعقارات أو بعض الخدمات والسلع، لكن لم تعد حاجة المرأة قاصرة على عباية واحدة أو عبايتين بسبب الرفاهية بل صارت تقتني عدة عبايات بألوان وأشكال مختلفة، الأمر الذي جعل سوق العبايات يتجاوز 4 مليارات ريال في السنة.

من العادات التي قد تثير استغراب الجيل الحالي أحد بنود القائمة (80 ريالًا بيد الرجالات) هذا المبلغ يعطى لرجالات، وهن نساء يرافقن العروس في ليلة الدخلة إلى غرفة الزواج بغية إعطائها جرعة من الجرأة والأمان عند الخلوة برجل غريب أي الزوج!

 

ب- تلفزيون أرامكو وعيسى الجودر المعلق على المصارعة (انظر: 37/أسفل)

بدأ تلفزيون أرامكو في البث في 16 ديسمبر 1956 وكان عيسى الجودر هو الذي يعلق على مباريات المصارعة الحرة، التي كانت هواية يستمتع الكثيرين من الناس بمشاهدتها آنذاك. أما عيسى الجودر فلقد كان معلقاً ماهراً يزج بعنصر الفكاهة في التعليق عن طريق بعض التعليقات الفكاهية على المصارعين. كان البث ضعيفاً ولا يشاهد في الأحساء إلا في أيام الرطوبة.

 

ج- طرائف وعبر:

1- قصة طفل في الصحراء … عجب، ولا من لطف الله عجب

هذا عنوان اختاره الوالد في يومياته؛ ليروي قصةً عجيبة لطفلٍ تُرك في الصحراء، تُعَدّ من أكثر القصص عجبًا ولطفًا من عند الله على الرغم من مأساويتها! فبمجرد أن سمعها الوالد، وتأكد من صحةِ الرواية، قام بتدوينها فهو حريص فيما يرويه أو ينقله عن الناس. حيث وقعت أحداث هذه القصة المؤلمة، التي تبعث على الأسى في القلب عندما توقفت عائلة للاستراحة في مكانٍ ما في الصحراء وهي في طريقها من الرياض إلى الدمام. فجأةً بزغ أمامهم شبح صغير في هيئة طفل يحبي باتجاههم!  فأثار فيهم الذعر والتوجس وأيقنوا من المستحيل أن يكون إنسياً! فمن أين يأتي طفل في هذا المكان النائي في قلب الصحراء! فحبسوا أنفاسهم وهو يقترب منهم شيئاً فشيئاً وعندما اقترب منهم ولاحت لهم ملامحه، وصار بينهم يتلفت من حوله ثم اختار حجر الأم (أم العائلة) وجلس فيه وكان أمامها طبق من الكيك وأخذ يلتهم منه بطريقة توحي بأنه لم يذق طعاماً منذ أيام. حينها تراخى الفزع الذي تملّك نفوس أفراد العائلة وعرفوا بأن ساعات القدر قد حطت بهذا الطفل في هذا المكان ومكثت العائلة لعدة ساعات تنتظر أحداً يأتي إلى نفس المكان للسؤال عنه على اعتبار أن أهله كانوا في هذا المكان وتركوه من دون قصد. فلما يأسوا وملوا من الانتظار حملته الأم بين ذراعيها وركبوا السيارة وانطلقوا به إلى وجهتهم الدمام. وعندما وصلوا الدمام توجهوا إلى أقرب مركز شرطة؛ لتسليم الطفل لهم فكانت المفاجأة ورحمة ربك التي وسعت كل شيء. حيث قال لهم المسؤول في الشرطة أنَّ عمّ الطفل جاء قبل ساعات يسأل عن جثة طفل، عمره سنتان في نفس المكان الذي توفيت فيه عائلته في حادث مروري مروع، ولم يعلموا أن هذا الطفل هو الناجي الوحيد. يعود تاريخ هذه الحادثة إلى عام 30/12/1421هـ، كما رواها الوالد في يومياته (انظر: المرفقات في الأسفل) ومن يدري ربما هذا الطفل صار الآن رجلاً وكوّن عائلة خلفاً لأهله رحمة الله عليهم.

2- قصة عبد اللطيف بن عبد الرحمن الصَيّاح عام 1325 هـ

عبد اللطيف بن عبد الرحمن الصَيّاح (انظر: أسفل /أقصى اليسار) إنسان شهم محب للخير دفع أجرة المركب عن رجلٍ لا يعرفه حباً في عمل الخير وابتغاء مرضاة الله، فأكرمه الله بعد عشرين عاماً بأن رد له ذلك الرجل حلاله (قطيع أغنام) الذي نُهب من قبل مجهولين.

 

3-حكاية الوالد مع رخصة القيادة:

في أوائل الستينيات الميلادية تقريباً كان الوالد يجلس خلف مقود السيارة وبجانبه شرطي المرور الذي سوف يختبر مدى إتقانه للقيادة من أجل الحصول على الرخصة. فطلب منه الشرطي السير إلى الأمام وتأدية بعض المهارات كالتلبيق بين سيارتين، والتقيد بالسرعة ومعرفة الإشارات المرورية وخلاف ذلك. وكان كل شيء يسير على ما يرام ثم طلب منه الشرطي التوقف والرجوع إلى الخلف بغية معرفة تمكنه من الرجوع بالسيارة إلى الوراء، ولكن كان الرجوع إلى الوراء غير مرضٍ للشرطي والسبب أن رجوع الوالد للوراء كان متعرجاً! عندها طلب منه التوقف ثم فتحَ ملف الاختبار وقال “أنت راسب، رجوعك للوراء مرتبك ومتعرج” فقال له الوالد: “لكني أريد الحصول على الرخصة؛ لأسير إلى الأمام وليس إلى الخلف!” فضحك الشرطي، وكتب في الملف ناجح”. علماً بأن الرجوع للوراء معضلة رافقت الوالد حتى اعتزل القيادة في آخر أيامه.

 

4- طرفة للشيخ محمد العبد القادر والمؤذن سعيد:

كان (سعيد) من موالي السعدون، العائلة المعروفة، وكان سعيد يقيم في مدرسة الحديث في السياسب، وفي نفس الوقت مؤذن في مسجد (دريب) الواقع غرب جامع الإمام فيصل بن تركي في المبرز، وللجامع بستان كان سعيد يرعى النخيلات؛ ليستفيد منها، وكان الشيخ محمد العبد القادر قاضي المبرز لقرابة أربعين عامًا وهو عالم فذ وأديب وشاعر وله بعض الطرف، منها هذه الطرفة التي وجه الشيخ فيها بعض الأبيات إلى سعيد. انظر الصفحة (1،2/أسفل).

 

 

رابعاً: الفِلاحة مهنة الوالد الأولى:

يا مسندي والله ما ظن يأتي       عصرٍ مع المجمول في وسط غرسات

أ- قوائم مالية:

كان الوالد -رحمة الله عليه- إذا سُئِل عن مهنته كان يردد دوماً ويقول أنا فلاح. يضعها في هويته الرسمية ويقدم نفسه بها أحياناً لمن لا يعرفه. في تقديري الشخصي بأنه كان فلاحاً متعلماً متمرساً منذ الصغر. لديه إلمام بالطوالع والأبراج الفلكية التي يُستعان بها في معرفة المواسم الزراعية ومواعيد دخولها. فكان يعلم على نحو دقيق مواعيد غرس الأشجار وجني الثمار.

ربما كان الوالد في الرابعة والعشرين من عمره عندما دون هذه البيانات المرفقة التي في (الأسفل) وهي إن جاز التعبير عبارة عن قوائم مالية لإيرادات ومصاريف عدة مزارع لعام 70 هـ. فمن خلالها من الممكن معرفة نمط سير الحياة في الأحساء، وملامح لدورة اقتصادية تعتمد بشكل أساسي على مقايضة التمر من قبل ملاك المزارع مقابل سلع وخدمات. ومن ثّمَ فتلك المزارع كانت هي التي تضخ المال في شريان الحياة فتؤمن فرص العمل وتدفع الزكاة للدولة وتحرك الأسواق. إن التركيبة السكانية للمجتمع في ذلك الوقت كانت أقرب إلى نظام الإقطاع منه إلى الرأسمالي. فهناك عدد محدود من أصحابِ الأملاك، والباقون إما يعملون لديهم أو يقدمون خدمات لهم أو ينتفعون من وراء شراء المحاصيل منهم. لذا إذا كان الإقطاع وصفاً دقيقاً للمجتمع –آنذاك- فإنه بكل تأكيد لم يكن إقطاعاً بالمفهوم السائد بين الأسياد والخدم، بل كان إقطاعاً رحيماً تسود فيه أواصر القربى وصلة الرحم بين أصحاب الأملاك ومن يعملون لديهم عن طريق الرضاعة التي تضيّق من الفجوة الاجتماعية التي بينهما.

 

المصطلحات في عالم الفلاحة في الأحساء

ربما لا أجانف الصواب لو قلت إن المصطلحات المستخدمة في الفلاحة في الأحساء قديمًا تحتاج إلى قاموس، ناهيك أنه من النادر جداً، أن تمر على كلمة أو عبارة ليس لها أصل في معاجم اللغة العربية. سوف نقف على بعضها أثناء الحديث عن القوائم المالية. لذا حاولت بقدر الإمكان شرح معاني تلك المصطلحات مستعينًا ببعض الأقارب والأصدقاء ممن لهم معرفة ودراية بها.

 

الصفحة الأولى من اليمين (مصاريف الجنينة لعام 70 هـ)

تشير إلى أن هناك 12 (قياسة) تمر (القياسة 10 كيلو)، سُلمت لشخص اسمه (خليل) مقابل رعايته لشؤون البيت. هذا الرجل شخص يحضى بثقة صاحب هذه الأملاك فأسندوا إليه مهمة تلبية طلبات بيوتهم، أو بالمفهوم الحديث سكرتير خاص. أيضا تجد في نفس الصفحة 12 قياسة تمر أخرى سُلمت إلى (النجار) يبدو أن الحاجة إليه كانت بشكل متكرر؛ نظراً لاعتماد البيوت على مادة الخشب؛ لدخولها عنصرًا أساسيًا في الكثير من لوازم البيت قبل أن تزاحمها المواد الحديثة. وعندما نستمر في نفس القائمة نجد سهم (الكَدّاد) وهو شخص ذو خبرة ودراية بالفلاحة يتولى إدارة المزارع مقابل سُبع المحصول أي بنسبة (14%تقريباً) ما يعادل 350 ريالًا على اعتبار أنَّ سعر التمر يساوي 50 ريالًا للمن (المن يساوي 60 كيلو) فعلى أي حال لم يتضاعف سعر تمر الرزيز سوى 12 مرة خلال 70 عامًا، لو افترضنا أنَّ سعره اليوم هو 600 ريال للمن! ولكن تمر الرزيز كان أفضل حظاً من الفيمتو الذي لم يتضاعف ثمنه سوى 3 مرات لنفس الفترة حسب ما جاء بعاليه في الوثيقة (9).

 

الصفحة الثانية من اليمين (مصاريف الوريطيات لعام 71 هـ)

تحتوي هذه القائمة على الأجر اليومي للعامل الماهر وغير الماهر وأيضاً على سعر (النبات) أي اللقاح، وبعض أنواع الفسائل. فقد كانت تتراوح أجرة العامل في اليوم الواحد (4-5/ساعات) قبل 70 عامًا مضت ما بين ريال واحد إلى 3 ريالات للعامل، يدخل فيها معيار المهارة، وأيضاً صعوبة العمل. أما أجرة قلع الفسيل من جذع النخلة الأم ومن ثم غرسه وهي من الأعمال الشاقة فقد بلغت 38 ريالًا لعدد 8 أشخاص، أي أن أجرة الشخص الواحد هو 5 ريالات. بينما كان ثمن فسيلة النخلة من نوع (شهل) ريال واحد ونقل 3 فسائل بريال واحد أيضًا.

وقد وردت كلمة (وقر) في العبارة “50 ريال أجرة حمل مائة وقر عطن”. والملاحظ أن الوالد -رحمه الله- كتبها (وقر) ولم يكتبها (وجر) كما ينطقها الناس في الأحساء، بل اختار الكلمةَ الصحيحة في معجمِ اللغة. كلمة (وقر) في اللغة تعني الحمل الثقيل وفي الأحساء هو الحمل الذي يملأ جانبي خرج الحمار أما كلمة (عطن) فهي تعني السماد جاءت من كلمة معاطن الإبل أي مبارك الإبل.

فلو عدنا إلى العبارة السابقة (50 ريال أجرة حمل مائة وقر عطن) فإذا كانت أجرة المائة وقر 50 ريالًا تصبح تكلفة نقل وقر السماد الواحد الذي يُحمل على حمار من البلاد إلى المزرعة هي نصف ريال. وإذا أردت أن تعرف كيف تصاعدت الأسعار، يمكنك عمل مقارنة بين أسعار الأسمدة، وتكاليف نقلها من عام 71 هـ إلى عام 1414 هـ كما هو مبين في الصفحة (505/أسفل). أما (البلاد) فالمقصود بها المكان الذي يُباع فيه السماد في البلد أي المدينة. في تقديري المسافة تتراوح بين 3 إلى 4 كيلو متر.

 

الصفحة الثالثة من اليمين (بيان ثمرة عام 71 هـ)

ورد في هذا البيان أن هناك 12 قياسة (القياسة 10 كيلو) سلمت إلى الخادمات اللاتي يقمن بخدمة النساء. وبطبيعة الحال الخادمات من أهل البلد فلم يكن في ذلك الوقت خادمات من بلدان أخرى. أما (الراوي) فنصيبه مَنّ مِن التمر ما يعادل 240 كيلو لقاء قيامه بتأمين الماء للبيت لمدة عام كامل؛ بحيث يذهب في الصباح الباكر من كل يوم إلى عين الحارة؛ لتعبئة عدد من المصاخن (قلل من الفخار) يحملها على حمار ويعود بها إلى البيت.

 

الصفحة الرابعة في أقصى اليسار (مصاريف الجنينة عام 71 هـ)

تحتوي على العديد من الأعمال الدورية والضرورية التي يتوجب على الملاك إنجازها للمحافظة على مستوى الإنتاج، وجودة المحصول. وبالطبع تنفيذ تلك الأعمال يحتاج إلى المال؛ لدفع الأجور لمن يقوم بتنفيذها. فعلى سبيل المثال:

(الندارة) وهي كلمة عربية أصلها في اللغة (نَدَر) تعني: خرج الشيء عن غيره وبَرز، وعند الفلاحين في الأحساء تعني حرث الرجل للأرض بالمسحاة؛ لذا فالأجر اليومي للشخص الذي يقوم بهذا العمل هو 4 ريالات.

ثم نأتي في القائمة إلى أربعة يبطون و(البَط) في اللغة يعني: شق أو فتح الشيء، وهي في الأحساء تعني عملية اقتلاع الكرب من جذوع النخيل. فمن الواضح أنَّ أجر هؤلاء (البطاطة) أكثر من غيرهم حيث بلغ الأجر اليومي للواحد منهم 7 ريالات دلالة على أنَّ المهمة شاقة وتحتاج إلى مهارة.

أيضاً اشتملت القائمة على أحد عشر يُطبنون، أصلها في اللغة (طَبَن) أو يطبن وتعني: إشعال النار بمخلّفات الأشجار مع وضع قليل من التراب عليها؛ لكي تستمر في الاشتعال، ولكن ببطئ، وعند أهل الأحساء تستخدم بنفس المعنى حيث تُجمع المخلفات من الحشائش والأغصان وتضرم فيها النار؛ للتخلص منها، ثم يوضع عليها قليل من التراب لكي تستمر النار في الاشتعال وفي الوقت نفسه يستفاد من الدخان الذي تصدره الطبينة في تعقيم الأشجار. هذه المهمة لا تحتاج إلى أيّ مهارة أو جهد يذكر؛ لذلك هناك مقولة في الأحساء “ماذا أفعل به أطبن به” يرد عليك الشخص إذا أعطيته حاجة لا يُستفاد منها! لذلك تلاحظ أن أجرها اليومي متدني من ريالين ونصف إلى ثلاثة ريالات في اليوم للشخص الواحد.

 

كما وردت في القائمة ستة (يختنون) أي يقلمون الأشجار، فقد بلغ أجر الواحد منهم ريالان؛ نظرًا لسهولة العمل. أما في اللغة فقد وردة كلمة (ختن) بمعنى قطع، لذا يمكن اعتبار كلمة (يختنون) قريب من هذا المعنى.

 

الصفحة الأولى من اليمين في الأسفل (مصاريف القريّانية عام 71 هـ)

القريّانية هي مزرعة قام الوالد ببيعها في ذلك الوقت بمبلغ 7000 ريال وبثمنها اشترى أراضٍ في الحي المعروف اليوم بـــ (خسارة)، ولا أعرف السببَ وراء إطلاق هذا الاسم على هذا الحي، ولكن مما يبدو أنه ليس لها من اسمها نصيب؛ بدليل أن الخطوةَ التي أقدم عليها الوالد كانت ناجحة ومربحة بكل المقاييس.

من جهةٍ أخرى وردت في القائمة عبارة “10 ريال أجرة اثنين (يجتلون) القريانية” أما كلمة (يجتل) فلها أصل قريب من المعنى في اللغة، وهو صقل الشيء أو كشفه، وعند أهل الأحساء (يجتلون) أي يزيلون أو يقتلعون (الكواريب) مفردها كاروب أي فراخ الفسائل، غير المكتملة النمو، فتبدو كالجنين المشوه، ينبت في أسفل جذعِ النخلة يستخدمون المسحاة والهيب في قلعها، أما (الهيب) فهي أداة حادة من الحديد الصلب تستخدم في الحفر والقلع، لها طرف مدبب، والآخر نهايته تشبه نهاية الفأس. لم أعثر على أصل لهذه الكلمة في معاجم اللغة. وقد بلغت أجرة الشخص الواحد في اليوم 5 ريالات، وهذا الأجر أعلى من أجر العامل العادي، ربما لكونِ المهمة شاقة. وهناك عبارة أخرى “10 ريال أجرة ثلاثة (يسيحون) القريّانية” أي يسهلون جريان وتدفق الماء؛ ليعم المكان المراد زراعته. هذه المهمة لا تتطلب مهارة عالية؛ لذا تجد أجرة العامل في اليوم الواحد لا تتجاوز 3 ريالات.

جاء في أول القائمة العبارة التالية: 10 ريالات لأربعة (يبنون ويشرقون في الرايسه) … للوهلة الأولى لا أظن أن أحدًا من الجيل الحالي، يستطيع فكّ رموز هذه الكلمات المتراصة، (يبنون) أي إزالة الحشائش الضارة من حول نبات البرسيم باستخدام (المحش) أي المنجل الذي يستخدم في حش الحشيش حسب ما جاء في معجم المعاني الجامع. فهؤلاء الواحد منهم يتقاضى 2.5 ريال. وأما (يشرقون) أي يحملون زنابيل السماد وينشرونه بالتساوي في حقل البرسيم في (الرايسه) أي الحقل الذي يكون في آخر المزرعة. فعلى الرغم من أن هذا العمل شاق إلا أن الأجر اليومي للعامل يبدو قليلا حتى بمقاييس ذاك الزمان …! أما هذا الأجر في هذا الزمن فبالكاد تشتري به علبة بيبسي أو 50 غرامًا شكولاتة مارس.

فلو قمت بعمل مقارنة بسيطة بين هذه الأجور -السالف ذكرها- مع الأجور التي يتقاضاها العامل عام 1411 هـ (انظر إلى الكشف المرفق في الأسفل) أي بعد مرور قرابة 40 عامًا، لاكتشفت حجم التغير الذي طرأ على الأجر اليومي للعامل، والذي قفز من 3 ريالات إلى 40 ريالًا، ومن ثم إلى 100 ريال في اليوم، حيث ارتفع بمعدل 33 مرة كأقصى حد. كذلك لم يطرأ أي تغيير يُذكر على الأجور من عام 1414 إلى عام 1424هـ (انظر: أسفل الصفحة)

جاء في بعض مصروفات عام 76 هـ (انظر: أسفل) قيمة 3 ثياب 55 ريال يبدو أن ثمن قماش (كجري) كان باهظاً، الأمر الذي جعل من سعر الثوب يصل إلى 18 ريالًا عام 76 هـ. كذلك ورد في نفس الصفحة أن تمايم ابن العم عادل بن صالح الموسى في نفس العام بلغت 240 ريالًا، الأمر الذي يقودنا إلى أن ثمن الخروف 80 ريالًا، وأن هذا المبلغ ثمن 3 خرفان.

ورد في صفحة بعض إيرادات عام 76 هـ (انظر: أسفل) فكان ثمن تمر من الخلاص 138 ريالًا ونصف،  أما من الشيشي فكان سعره 60 ريالًا.

ب- قوائم مالية أخرى ومراجعات

السجل (120/أسفل) يحتوي على قيود للمصروفات والإيرادات مع بعض المراجعات لقوائم مالية سابقة كما ذُكر في الصفحة الأولى من السجل (121) ومن ضمن المراجعات التي اشتمل عليها السجل:

مراجعة لمصروفات زواج العم صالح (122/أسفل)

حيث بلغت قبل المراجعة (7125) ريالًا حسب ما جاء في الوثيقة السابقة (9) ولكن بعد مراجعتها المرفق (122) وإضافة تكاليف الدين والذي بلغ 20% وهذا هو المقصود بـــ (العشر اثنا عشر) اتضح أن هناك زيادة في التكلفة بمقدار 3500 ريال الأمر الذي رفع تكلفة الزواج إلى (10841) ريالًا. لذلك تضل تكلفة القرض هو الشيء الوحيد الذي لم يتأثر بالتضخم بل سجل انكماشاً بمعدل ثلاث إلى أربع مرات مقارنة بتكلفة الدين حاليا.

الصفحة (124/أسفل) مصروفات الجنينة عام 70 هـ

ورد فيها (31 ريالًا) قيمة نوع من القماش يسمى (نيسر) لتكييس 6 أمنان تمر خلاص. كما جاء فيها (20) ريالًا كناز عشرين مَنّ، بسعر ريال واحد للمن. تخيل قيمة كناز من واحد من التمر -أي ما يعادل 240 كيلو- هو ريال واحد فقط…! ومن ضمن القائمة (17 ريالًا) أجرة (شحاط) وخمسة (مسرية)، كلمة (شحاط) هي كلمة محلية تعني إزالة أو قطع السعف اليابس من النخلة باستخدام آلة حادة، أيضًا لم أجد كلمة في معاجم اللغة تحمل نفس المعنى، أو قريبة منها سوى أن الشحط يعني الذبح أو التباعد بين الأشياء وكلاهما قد لا يؤديان إلى معنى قريب منها. أما كلمة (مسرية) يُقصد بها العامل الذي يقود أو يسير بجانب الحمار الذي يحمل السماد. أيضاً جاءت العبارة “(9 ريال) أجرة ثلاثة (مكشحة)” وهي تعني مساواة الأرض بعد إزالة الطبينة. وفي القائمة وردت هذه العبارة “(25 ريال) أجرة أربعة عمال (مبردة) وشيالة خمام الطبائن”. أما كلمة مبردة فتعني تبريد الطبينة أي إطفاء نارها. كذلك جاءت العبارة “(2 ريال و11 قرش) أجرة عامل يضرب (رسمة) الجنينة ويلف فسيلها”. والرسمة في معجم اللغة تعني الخط في الأرض. أما كلمة الرسمة في قاموس الفلاحة الأحسائي فتعني مجرى تصريف المياه الزائدة الذي بداخل المزرعة؛ بحيث يصبّ في مجرى كبير خارج المزرعة يسمى (منجا) ولربما تكون قد اشتقّت من كلمة مُنجي أي مُخلص في اللغة وهذا هو الغرض من المنجا بأنه يخلص الأرض من زيادة الأملاح في التربة.

أما إذا خطر على بالك معرفة قيمة (الجوتي) عام 71 هـ، فانظر إلى الصفحة (125/أسفل) مصروفات عام 71 هـ، حيث جاء فيها “(14 ريالًا) قيمة جوتي” أي جزمة للعم عبد العزيز وهذا ثمنًا باهظًا في تلك الأيام ولربما يعود السبب إلى نُدرة الجزم ناهيك أن غالبية الناس حينها كانوا يمشون حفاة …! فلو ضاعفت هذا المبلغ اليوم أثناء التخفيضات؛ لحصلت على جزمة سكيتشير مصنوعة في الصين …! في نفس الصفحة ونفس العام أيضاً تم شراء ثوب للعم عبد العزيز بمبلغ (15 ريالًا) وهنا ايضاً نقف على ثمنٍ باهضٍ آخر، مقارن بأسعارِ الثياب الجاهزة حالياً والتي لا يتجاوز سعر الثوب عن (90 ريالًا) كحد أقصى …! ورد أيضا “(15 ريالًا) أجرة ستة عمال (يجنمون) شجر الجنينة وباقي شجر المنقشة”. والجنامة تعني إزالة الشوك العالق في سعف النخيل.

 

الصفحة (126/أسفل) مصروفات ملابس عام 71 هـ

في عيد الفطر لعام 71 هـ تم شراء (مرينه) للعم عبد العزيز، وهي عبارة عن بشت ثقيل، ولكن قماشه ناعم وأخف من الوبر الذي كان يلبس في فصل الشتاء بقيمة (115 ريالًا) بينما بلغ سعر الثوب من قماش اللاس (7ريالات) أما سعر السروال فلم يزِد عن (ريال و11 هللة) بينما اختار العم صالح غترة ثمينة بلغ سعرها (17 ريالًا) ونعل قيمتها (7 ريالات)

فبمجرد النظر إلى هذه المصروفات، التي تعد من الكماليات وعمل مقارنة بسيطة بينها وبين السلع والخدمات الأساسية كالتمر والرز وأجور العمالة تكتشف بأن أسعار الكماليات كانت مرتفعة مقارنة بمستوى المعيشة في ذلك الوقت. أيضاً تستنج بأن هذه الأسرة ميسورة الحال، والدليل هذه الأملاك هي في الأصل حصة رجل واحد (الجد عبدالوهاب) وُزِعت بعد وفاته إلى خمس حصص. أيضا تلاحظ أن هذه الأسرة اشترت لابن مراهق مرينه بقيمة (115ريالًا) بينما جاء في نفس الصفحة أن قيمة الفسيلة (6 ريالات) والأجر اليومي للعامل (3.5 ريال) وقد جاء في صفحة سابقة أن سعر من الرزيز (50 ريالًا) الأمر الذي يعزز بأنَّ الكماليات كانت باهضة الثمن، ربما لكونها مستوردة بما في ذلك البشوت حيث كان الصُناع يستوردون مواد الخام من الخارج…!

 

الصفحة (127/أسفل) مصاريف الصرام ومصاريف أخرى لعام 72 هـ:

في هذ الصفحة جاء ثمن شراء عشرين شجرة برتقال بقيمة (30 ريالًا) يبدو أن زراعة البرتقال كان أمراً سائدا في ذلك الوقت بما في ذلك الحمضيات كالخوخ والتين وأيضا التفاح. أما البند الثاني في القائمة ورد أن (30 ريالًا) ثمن 6 مراحل.

 

الصفحة (128/أسفل) ملاحظات حول مصروفات وواردات عام 71/72 هـ:

مبلغ (1200 ريال) قيمة بيع ثمار الأشجار لعامٍ واحدٍ لأحد المزارع (الوريطيات)، بينما كانت واردات (الجت) لشهرٍ واحدٍ عام 72 ه (100 ريال) وعلى أي حال فالواردات من ثمار الأشجار وغيرها، تعتبر محدودة، ولا تقارن بالواردات من التمور.

في عام (72) هـ سَجَّل سعر تمرِ الخلاص ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالعام الماضي من (90 ريال) للمن إلى (130 ريالًا) فإذا لم يكن سبب الارتفاع هو جودة هذه الكمية بالذات فهذا يقودنا إلى احتمالين، إما أنَّ سعر التمر بوجهٍ عام كانَ جيدًا في هذا العام أو ربما تكون هذه السنة هي بداية زيادة الطلب على تمر الخلاص على حساب تمر الرزيز.

 

الصفحة (554 /أسفل):

وثيقة شراء الوالد للعقار المسمى (خسارة) في 10/6/1374 هـ، بمبلغ وقدره ٥١٠٠ ريال

ج -سجل توزيع ضراب نهر مغيصيب:

أما نهر مغيصيب أو (ثبر) مغيصب -كما كانوا يُسمونه أهالي الأحساء- فلقد بحثت عن أصل هذه الكلمة (ثبر) في المعاجم، فوجدت معنى قريباً منها وهو حفرة في الأرض. أما (مغيصب) فأظن أنَّ له من اسمه نصيب …! فهذا النهر يجري من عين الحارة، منحدرا باتجاه الشَرق كبقيةِ الأنهار إلا أنه عند (المفترق) أي بعد كيلو تقريبًا ينحرف جنوباً متخلياً عن ميزة الانحدار متجها جنوباً؛ ليسقي مزارع في تلك الجهة. بين فترات متفاوتة يحتاج هذا النهر إلى (الضراب) أي إزالة العوائق من حشائش وأغصان أشجار وطمي، يعيق من تدفق النهر ويحد من سرعة جريانه؛ لذلك تقع المسؤولية على المستفيدين من هذا النهر من أصحاب الأملاك.

أسندت هذه المهمة الى كل من: العم الشيخ محمد بن أحمد الموسى، والشيخ عبد الله ابن أوديّ، والشيخ إبراهيم الجغيمان من قبل الأمير عبد المحسن بن جلوي في 26/2/78 هـ فاستعان العم الشيخ محمد بالعم الشيخ أحمد بن صالح الموسى، الذي بدوره طلب من الوالد عمل هذا السجل.

لذا تجد في هذا السجل جدولًا يحتوي على أسماء الأملاك وأسماء أصحابها ومقدار المساهمة المطلوبة لكل منهم. تجد أنَّ المساهمة من قبل أصحاب الأملاك عبارة عن الأجر اليومي لرجلٍ أو عدد من الرجال، أو أحيانا نصف أو ثلث رجل…! بحيث تدفع إما نقدًا أو بتأمين العدد المطلوب من الرجال. أيضًا هناك عدد المرات سواءً كل أربعة أيام (رابعة) أو كل ثمانية أيام (ثامنة)

في صفحة (قائمة بأسماء الأملاك وأصحابها) (انظر: أسفل) ترد كلمة (صخين) وهي وحدة قياس مساحة تساوي 1200 متر مربع، أما (المغرس) فيساوي 36 مترًا مربعًا تقريبا.

 

هـ- بشائر من الخير: 

قال البحتري:

وقد نبه النيروز في غسق الدجى         أوائل وردٍ كنّ بالأمس نوّما

 

1- بشائر الورد الحساوي: جاءت مبكرة هذا العام (انظر: أسفل/الأول من اليمين)

أبى الورد الحساوي إلا أن يأتي قبل موعده بثمانية أيام، وعز –أيضاً- على الوالد إلا أن يرحب بقدومه حتى لو جاء مبكرا هذا العام.

كما تجد الوالد قد كتب بالخط الأحمر في أعلى الصفحة (أيام وليالي الحسوم) وأيام الحسوم هذه تبدأ في 10 مارس إلى 17 مارس، تهب فيها الرياح المسببة؛ لتلاقح النباتات. وهي فترة حاسمة بين فصلي الشتاء والربيع.

2- فترات من غرس فسائل وبذر برسيم (انظر: أسفل/الثاني من اليمين)

3- العم صالح يُبشر بأوائل رطب الخلاص من مزرعته العادلية (انظر: أسفل/ الثالث من اليمين)

4- الشيخ عبد الله بن عبد العزيز البراك، يُقدم رطب طيّار في مجلسه، مبشراً بقدوم ثمرة هذا العام (انظر: 302/أسفل)

5- الأخ عبد الله النشوان يُبشّر بأوائل رطب الخلاص في هذا العام (انظر: 301/أسفل)

6- غرس فسائل خلاص مكان أشجار الليمون (انظر: 342/أسفل)

10- بشائر رطب الطيار من محمد المبارك والعم صالح والعم عبد الله البراك (انظر: 299/أسفل)

11- بواكير الثمر لعام 1420 هـ جاءت مبكرة بحوالي عشرين يومًا عن المعتاد (انظر: 113/أسفل)

12- 26/3/1422 هـ بواكير رطب الغر، جاءت مبكّرة عن العامِ الماضي (انظر: 605/أسفل)

13- الخميس 5 رجب 1431 هـ (انظر: 747/أسفل) استبشرنا اليوم برطب (غر)؛ حمدا لله على نعمه التي لا تعد ولا تحصى.

 

 

خامسًا: اللاسلكي والبرقيات:

تكفي مراسيلنا العجلات يا خلّي       عن أخذ الأخبار والا شوف الازوالي

قلبي وقلبك توصّل لك وتوصلّي      والله إنها أشد من موجات الارسالي

 

أ- البريمي

قد يكون اللاسلكي هو مهنة الوالد الأولى بعد الفلاحة، التي ورثها عن آبائه وأجداده. حيث عايش الوالد بدايات تأسيس الاتصالات في المملكة، فقد التحق باللاسلكي عام ١٣٦٨هـ على وظيفة مسجل مخابرة. (مرفق السجل العام للخدمة) فتعلمه وأتقنه في وقت كان اللاسلكي يعتبر عند البعض لوناً من ألوان السحر…! ثم صار فيما بعد أستاذاً لمدرسة اللاسلكي في الأحساء عام١٣٧٤ هـ. ومن الطرائف أنه كان يستخدم مهارات اللاسلكي أثناء لعب (البالوت) وذلك بالتخاطب عن طريق إشارات المورس (شفرة مورس) مع موسى الحملي بالطرق على بيالة الشاي؛ ليكشف كل منهما أوراقه للآخر كنوع من الدعابة، ثم استمر في عمله حتى ترقّى إلى وظيفة (مراقب مخابرة) عام ١٣٨٤ هـ (مرفقة)، كما تلاحظ البساطة في خطاب تعيين موظف بمستوى مراقب، -أي مديرًا تنفيذيًا- بأنه مكتوب باليد، ولا غرابة فالأمور في ذلك الوقت ما زالت تحبو …! ولو نظرت إلى الوثيقة (المرفقة) المعنونة (أوقات الدوام) فهذا مدير المركز عام ١٣٧٤ هـ يستفسر من مدير البرق والبريد في الأحساء عن أوقاتِ الدوام؛ مستخدمًا قصاصة ورق بينما يأتي رد المدير بنفسِ الورقة …! ولا يختلف أسلوب الوالد، خطاب أستاذ مدرسة اللاسلكي (الوالد) الذي يشتكي فيه من شدة الحر والسموم، ويطالب بتأمين مروحتين (مرفق) والملاحظ أن معظم الخطابات كانت تبدأ بعبارة (لحفظ الفضل)

 

ب- صب القهوة يا خطورة …!

وكان الوالد قد رافق كلا من أمير الأحساء –آنذاك- الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي والشيخ تركي بن عطيشان أحد القادة المشهورين لجيوش الملك عبد العزيز إبان اندلاع أزمة (البريمي) عام 1372هـ حيث عمل مسؤولًا عن البرقيات، أو بما يعرف في ذلك الوقت مأمور الشنطة الجلوية، (مرفق رقم 3) وهي عبارة عن حقيبة يوضع فيها سجلات البرقيات، (مرفق رقم 6) تسجل فيها البرقيات الصادرة، وأما الواردة من الأحساء وإليها، فالوثيقة (رقم 7)، ويبدو أنَّ الوثيقة (8) عبارة عن نموذج لإحدى البرقيات.

 

وقد روى لنا الوالد -رحمه الله- بعض أحداث أزمة البريمي، حيث ذكر بأنَّ القائد ابن عطيشان إذا شاهد الطائرات الحربية البريطانية تحلق فوقهم؛ بغية تهديدهم كان يقول: “صب القهوة يا خطورة” موجهاً الأمر لقهوجي اسمه خطورة ويجلس هو ومن معه على بساط خارج الخيمة؛ لإيصال رسالة واضحة مفادها بأننا لا نعبه بكم ولا تخيفنا طائراتكم…! وهذا إن دلَّ على شيءٍ فإنما يدل على صلابة موقف ابن عطيشان وشجاعته. كما رافق الوالد الأمير سعود في العديد من رحلات الصيد في الربع الخالي في تلك الفترة. وقد ذكر جيمس بار في كتابه أمراء الصحراء (The lords of the desert) بأن في تلك الفترة وقبل ترسيم الحدود السعودية مع عمان والإمارات لم يكن أحدًا من جواسيس الغرب يستطيع الولوج إلى صحراء الربع الخالي من دون علمه والسبب أن معظم القبائل (نعيم، كعب، والشوامس) المنتشرة هناك، جميعها كانت تدين بالولاء لابن سعود منذ الدولة السعودية الثانية.

ت- معاملات تخص ترقية الوالد من مأمور الشنطة الجلوية الى استاذ المدرسة اللاسلكية في الاحساء :

 

ث- برقيات من الأمير سعود بن جلوي رحمه الله تعالى:

احتفظ الوالد -رحمه الله- بمجموعة من البرقيات المرسلة من قبل الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، الذي كان حينها أميرًا لمنطقةِ الأحساء قبل انتقال الإمارة إلى الدمام في رجب من عام 1372هـ؛ لتصبح إمارة المنطقة الشرقية بدلًا من إمارة منطقة الأحساء. كما تلاحظ أنَّ البرقيات تُرسل مشفرة عن طريقِ نظام يشبه إلى حد كبير (شفرة مورس) الغرض من هذا النظام هو إرسال المعلومات التلغرافية، بحيث تتحول الأرقام إلى حروف، ومن ثم إلى كلمات (انظر: أسفل/51)، على خلافِ نظام مورس العالمي الذي يستخدم التتبعات القياسية التي تعبر عن حروف وأرقام (انظر: 56/أسفل).

لفت انتباهي التصرف الحكيم من قبل الأمير سعود بن عبد الله ابن جلوي حيالَ الشخص المعسر كما جاء في البرقية (انظر: أسفل/54) حيث أرسله إلى رأس مشعاب؛ للعمل هناك؛ لكي يُسدد ما عليه من دين من راتبه وبذلك يكون قد حلَّ المشكلة للطرفين الدائن والمدين.

أما البرقية (انظر: أسفل/53) فتشير إلى طلب الأمير ناصر بن عبد العزيز بإبلاغ صديقة الشيخ سعد ابن حويلة، الذي كان حينها في الأحساء بالتوجه إلى الأمير ناصر حيث كانت تجمع بينهما صداقة حميمة، والشيخ سعد من وجهاء العجمان من السعدة من الهتلان، وهو رجل حكيم وكريم وصاحب منطق وأديب، انتقل إلى الكويت وعاش فيها وصار له فيها شأن ومكانة مرموقة لدى حكام الكويت، مع ذلك فلقد كان كثير التردد على الأحساء وله فيها الكثير من الأصدقاء والأقارب.

 

وهناك برقية (انظر: أسفل/50) تشير إلى أن أهل الزلفي قد اختاروا أميرا عليهم وقد وافق جلالة الملك على ذلك.

أيضًا برقية (انظر: 55/أسفل) من الأمير سعود إلى أخيه عبدالمحسن في الدمام يريد فيها إضافة أشخاص إلى هيئة، يبدو أنها كلفت للبتّ في أمر يختص بالزراعة، ولفت انتباهي من الشخصيات البارزة  اسم الشيخ  ابراهيم بن عبدالله بن صالح الحملي -رحمه الله تعالى- وهو من عائلة الحملي المعروفة في الأحساء وغيرها وكان الشيخ إبراهيم رجلًا وجيهاً حكيماً وفطناً، ذكر لي أحد أقاربه أن الشيخ إبراهيم حضر مجلس الملك عبد العزيز عندما فتح الأحساء، فالتفت الملك إلى الحضور، وسألهم سؤالا عن أمرٍ ما؛ فلم يجبه إلا الشيخ إبراهيم -وهو آنذاك لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره- فأعجب به الملك، ووصفه بأنه فطن.

 

 

سادسًا: الماء والأنواء:

سقاها الحيا وأحيا بها حيّ أحبتي        نسيم الصبا في رايح الوقت والغادي

 

لا أعلم من أين اكتسب عادة التدوين، فلم تكن سائدة في مجتمع تغلب عليه الأمية آنذاك، ولم يكن الوالد قد تعلم في الغرب أو حتى عمل في أرامكو؛ لكي يُرجح بأنه اقتبسها من الغرب؛ لشيوع هذه الممارسة بينهم. فلقد كان يُسجل الأحداث ويرصد ويتابع الأنواء، ويرصد الظواهر الفلكية النادرة (انظر: الوثيقة 4) مثل اقتراب كوكب المشتري من كوكب الزهرة. كان حريصا ومتابعا لبداية دخول النجوم والأبراج، ويربطها بالأجواء وبمواسم تأبيرِ وغرس الأشجار؛ لذلك يحتفظ -رحمه الله- بعدة مراجع لهذا الغرض مثل تقويم العجيري، الذي كان يحرص على شرائه منذ عام 1973م (انظر: الوثيقة 15) وكان يولي اهتمامًا خاصًا، وفي وقتٍ مبكرٍ بانحسار منسوبِ المياه في الأحساء معتمدًا على القياس، والمشاهدة، والمقارنة بالأرقام بين منسوبِ الماء في السنة الحالية، والسنوات التي سبقتها (انظر: الوثيقة 11) واضعا في الاعتبار تأثر منسوب المياه بفصلي الصيف والشتاء.  أيضاً سَجّل السنة الأولى لجني ثمار مزرعته، وشكر الله بأن أَمَدّ في عمره، وبَلّغَهُ الاستمتاع بثمرها. (انظر: الوثيقة 12)

 

أيضًا تقويم العالم الحاسب الشيخ عبد العزيز بن عبد الله العيوني (انظر: أسفل) الذي صار في حوزة الوالد في  8/2/1371 هـ من المكتبة الوطنية في البحرين. تلاحظ أن في أسفل الصفحة عنوان المكتبة (المنامة -البحرين-خليج فارس …!) لم تعد كلمة خليج فارس متداولة على الأقل في دول الخليج، بل إنَّ استخدام هذه التسمية اليوم تثير حفيظة الكثير من الناس.

 

 

أ- (بداية النهاية لمياه الأحساء)

1- البئر رقم (1)

كان قلقاً على مستقبل المياه في الأحساء، ولاحظَ بداية انخفاض منسوب الينابيع والآبار قبل أن تصبح المشكلة على ألسنة الناس. فلم يكن يخفي تشاؤمه، ومع ذلك ظل مواظبًا على قياس وتسجيل منسوب الماء في بئر المزرعة بين فترات متفاوتة وعلى مدار فصول السنة. كما أنَّ هذا الشيء لا يقلّ أهمية بالنسبة له عن قياس وتسجيل درجة الحرارة؛ لذا تجد موازين قياس حرارة الجو (الثيرموميتر) موزعة في كُلّ أرجاءِ البيتِ، وفي المزرعة لدرجة أنَّ البعض من أقاربه يقدمونها كهديةٍ له. كان أبي إنسانًا لصيقا بالأرض والماء والهواء والناس يألم لألمهم ويفرح لفرحهم.

سجل الوالد في يومياته في الصفحة (11/أسفل) هبوطًا حاداً في عام 1984مـ بلغ 7.6 متر، أي بعد حفر البئر (رقم 1) بعامين، واستمر هذا الشيء كما جاء في الصفحة (909/أسفل)، وتبعا لذلك الاستمرار في تغيير حجم المضخة (204) بتاريخ 21/7/1990 مـ حيث رُكِّبَت المضخة الغطاس، عوضًا عن المضخة السطحية. وبتاريخ 25/7/1994 مـ استمر منسوب الماء في البئر في الانحدار حيث بلغ ٢١ مترًا، انظر الصفحة (703/أسفل).

في الصفحة (999 / أسفل) بتاريخ 14/12/ 1410 هـ، وبعد مرور ثمانية أعوام على حفر البئر سَجَّلَ الوالدُ بدايةَ النهايةِ لرحلةِ نضوب مياه الأحساء التي ظلت تتدفق لأكثر من أربعة آلاف عام. حيث انخفض مستوى الماء في ذلك العام في البئر لأكثر من 8 أمتار، علمًا بأنَّ الماءَ كان يبعد ثلاثة أمتار ونصف فقط عن مستوى سطح الأرض عند حفر البئر في عام 1402ه. عندها ودعت الأحساء -وبكل أسى- الماء السطحي القريب، ودخلت في تعقيدات مياه الأعماق البعيدة. فلقد كانت فترة حاسمة تلك التي تم الانتقال خلالها من المضخة السطحية إلى أخرى أعمق، ورسمت حدًا فاصلًا بين مرحلة وأخرى في مستقبل المياه في الأحساء. علمًا بأنَّ هذا الانخفاض لم يكن الأول، بل كان الأكثر، فلقد بدأت رحلةُ نضوب الماء بعقود عديدة قبل هذا التاريخ كما ذكر (فيدال) عام 1952مـ في كتابه (واحة الأحساء) أن مستقبل المياه في الأحساء لا يبشر بالخير.

الأرقام التي في الصفحة (502/أسفل) تشير إلى أن البئر قد فقدت 11مترًا تقريبا خلال مدة أقل من سنة ونصف، وهي التي بين عام 24/7/1999 إلى 3/9/2000 م.

لم يتوقف الانحدار عند هذا الحد بل استمر حتى وصل إلى 37 مترًا عن سطح الأرض في عام 12/4/1420 هـ الموافق 25/7/1999 م، وتم إضافة خمس مواصير كما جاء في الصفحة (755/أسفل)، وبذلك تكون البئر قد فقدت 16 مترًا خلال خمس سنوات تقريبا. ولكنَّ القصة لم تنتهِ، فقد عاود الانخفاض في البئر بعد مرور 3 سنوات بتاريخ 6/9/1423 هـ الموافق 16/8/2002م.

 

2- البئر (رقم 2)

في أسفل الصفحة (238/أسفل) حُفِر (البئر رقم 2) في 29/3/1418 هـ وبتاريخ 17/4/1418هـ، عند تركيب المضخة كان مستوى الماء يبعد 25 مترًا عن مستوى الأرض. لكن هذا البئر لم يكن حاله أفضل من البئر الذي قبله حيث بدأ الهبوط بوتيرةٍ متسارعةٍ حتى وصلَ إلى 37 مترًا عن سطح الأرض في عام 12/4/1420هـ، أي بمعدل (12) خلال سنتين وأُضيفت خمس مواصير كما جاء في الصفحة (755/أسفل)؛ حيث عاود الانخفاض في البئر بتاريخ 6/9/1423هـ، الموافق 16/8/2002م، وبذلك تكون البذر فقدت 16 مترًا خلال خمس سنوات .

 

ب – (قران خامس) ربيع طامس

إذا قارن القمر الثريا بتاسع       يجي ليالٍ بردهن كنّاس

 

تجد هذه العبارة في أعلى الصفحة (انظر: قران خامس أسفل) كما وجدتها تتكرر في عدة صفحات من يومياته يدونها كل عام وكلما لاحت هذه الظاهرة الفلكية في السماء. شغف الوالد بالعلوم بوجه عام، وعلم الأنواء والفلك جعله –باستمرار- يُتابع بدايةَ ظهور النجوم والأبراج، فصار إلى حدٍ ما مرجعًا في حدود الدائرة الضيقة من معارفه وأصدقائه. كان الوالد يردد هذه العبارة (قران) في أشهر معينة من السنة. فهذه الظاهرة تحدث عندما يكون القمر والثريا متجاوران، ويكون ظهورهما وغيابهما في نفس الوقت. أما كلمة (القران) فهي عبارة عن ظاهرة فلكية يقترن فيها القمر بالثريا، وتحدث في أيام محددة من فصلي الشتاء والربيع. فعلى سبيل المثال : في اليوم الحادي عشر من اقتران القمر بالثريا يقال (قران حادي بردٍ بادي) كناية عن بدايةِ البرد،  والشهر الذي يليه يكون “يوم تاسع من الشهر” فيقال (قران تاسع بردٍ لاسع) أي اشتداد البرد. والشهر الذي يليه يكون “يوم سابع من الشهر” فيقال (قران تاسع بين نجيع وشابع) في إشارة إلى بداية ظهور العشب، والشهر الذي يليه يكون “يوم خامس من الشهر” فيقال (قران خامس ربيع طامس) يكون فيها العشب قد بلغ منتهاه. والشهر الذي يليه يكون “يوم ثالث من الشهر” فيقال (قران ثالث ربيع ذالف)، وهو بداية انحسار العشب والشهر الذي يليه “يوم واحد في الشهر” فيقال (قران حادي على الماء يرادي) اضمحل العشب وظمأت البهائم.

 

ج- (التقويم الهجري الشمسي)

لقد قرر الوالد -رحمه الله- حصر جميع قيوده اعتمادًا على التاريخ الشمسي الهجري اعتبارًا من محرم عام 1373 هـ (المرفق في الأسفل) ويُرجع الوالد السبب في ذلك إلى أن الأشهر القمرية لا تتوافق مع مواسم الزراعة؛ لوجود 11 يومًا تقريبًا فارقًا بين السنوات القمرية. فلو أمعنتَ النظر في كل الصفحات التي يدون فيها الوالد يومياته منذ عام ٧١ هـ لوجدت تاريخاً ثالثاً إضافة إلى التاريخ الهجري والتاريخ الميلادي وهو التاريخ الهجري الشمسي، وهو 365 في السنة البسيطة و366 يومًا في سنته الكبيسة وبدايته هي هجرة النبي صلى الله عليه وسلم. يتخذ تقويم أم القرى الاعتدال الخريفي بداية له، والذي يوافق 7 الجوزاء من عام 1397 هـ شمسي. يعتمد التقويم الهجري الشمسي على الأبراج الفلكية التي تمر من خلالها الشمس، بحيث تقسم السنة إلى 12 شهرا (الميزان، العقرب، القوس، الجدي، الدلو الحوت، الحمل، الثور، الجوزاء، السرطان، الأسد والسنبلة) جميعها 30 يوما فيما عدا برج الحوت 29 يوما إذا كانت السنة بسيطة، و30 يومًا إذا كانت كبيسة. يقال إنَّ الذي اكتشفه العالم المعروف عمر الخيّام وأغلب علماء الفلك يعتبرونه أكثر دقة من التاريخ الميلادي لأسباب تتعلق بالسنة الكبيسة. أما تقويم أم القرى الشمسي فبداية السنة الهجرية الشمسية فيه هو 23 سبتمبر  الموافق 1 الميزان بداية فصل الخريف.

 

د- (أمطار غزيرة وفيضان نهر الأردن)

أمطار غزيرة في عام 30/7/1412 هـ الموافق 4/ 2/ 1992 م (انظر إلى صفحة فيضان نهر الأردن في الأسفل) فاضت -على إثرها- ضفتا نهر الأردن، وقد استمرت الأمطار حتى 11/ 2/ 1992م، أي أن الأمطار الغزيرة استمرت لمدة أسبوع. قيل حينها إن غزارة هذه الأمطار لم تُعهد منذ أربعين عاماً.

هـ- (سجل البروج)

في الصفحة الأولى من السجل تعريف بمعنى (الدرجة فلكيًا) وهي وحدة زمنية عبارة عن أربع دقائق موزعة على البروج لمعرفة طول الليل والنهار ومقدار الفرق بينهما حسب البروج. كما هو مبين في الجدول (انظر: صفحة حساب الدرجة فلكيًا/أسفل).

هذه المعلومة نقلها إبراهيم بن عبد الله الحذيفي عن العم الشيخ عبد الوهاب بن عبد الرحمن الموسى وحررها الوالد في 17/8/88 هـ الموافق العقرب 1346 هجري شمسي.

و – (زرع الست)

يبدأ زرع الست من عاشر البلدة إلى الرابع من سعد الذابح، هذه الست أيام يعتبرها الفلاحون في الأحساء من أفضل أيام السنة؛ لزرع وغرس الأشجار، حسب ما ورد في (صفحة زرع الست /أسفل)

ز- (برج القوس)

في هذا السجل يعمل الوالد تقويمًا يحسب فيه مواقيت الأبراج وما يقابلها بالتوقيت الزوالي (ميلادي) والصفحة (برج القوس /أسفل) مثال على ذلك.

ح- (طالع البلدة)

طالع البلدة (انظر: أسفل) كان مختلفًا عام 1410هـ، حيث يقال: البلدة أولها محرق وآخرها مورق. أما هذه السنة من أول الشولة إلى آخر البلدة كان محرقا، أي بردًا شديدًا خلاف ما جرت العادة عليه. أيضا في الصفحة نفسها، كان هناك خسوف كلي للقمر 14/7/1410 هـ بدأ من الساعة 7:20 وأصبح خسوفًا كليًا من  9:54  إلى 10:33

ط- (موجة برد)

انظر إلى صفحة (موجة برد في 13إبريل من عام 1989 مـ /أسفل) الموافق الثامن من رمضان 1409 هـ، حيث تأخر التأبير هذا العام بسبب موجة البرد التي استمرت شهرين متتالين تسببت في موت أشجار الشوارع في الأحساء والقصيم والغاط وحائل بما في ذلك أشجار الأثل والنخيل التي أعمارها ثمان سنوات وأقل.

 

ي- (مشاهدة قوس قزح)

الخميس السادس من شهر ذي القعدة عام 1415هـ، هبت رياح باردة في ليلة البارحة فهبطت درجة الحرارة وهطلت أمطار خفيفة أول الليل، وقبيل الفجر شوهد قوس قزح في السماء حتى طلوع الشمس.

 

ك- (عاصفة قوية وأمطار غزيرة على الأحساء)

هبت عاصفةٌ قويّةٌ بتاريخ 9/3/1414هـ، انظر: الصفحة (206) لمدة ساعتين أعقبها سحب ركامية مصحوبة برعد وبرق وأمطار غزيرة على جنوب الهفوف في حي الخالدية تزداد كلما اتجهت جنوباً بلغ عمق المطر في التربة 20 سم تسببت العاصفة في اقتلاع أشجار الشوارع وتساقط ثمار النخيل.

 

ن- سجل عام 2007 انخفاض ملحوظ في منسوب المياه في الأحساء أنظر الصفحة (717/أسفل):

في بداية شهر 7 من نفس العام، انخفض منسوب الماء في البئر حيث انحسر عن مستوى المضخة فتعذر شفط الماء، ولوحظ انخفاض عام في منسوب الماء في الأحساء الأمر الذي أشغل جميع الحفارين، ولم نتمكن من الاتفاق مع حفار إلا بعد عيد الفطر، أي بعد مرور 6 أشهر، حيث حُفِر إلى 110 أمتار، وإنزال المضخة إلى 84 مترًا.

 

س- أخبار الأمطار على الأحساء وباقي ديار المملكة عامة حسب ما جاء في يوميات الوالد رحمه الله:

1-الصفحة (303 /أسفل)

2-الصفحة (304 / أسفل)

 

يعتبر الاثنين 4/7/1413 هـ ملم.

3-الصفحة (909/أسفل)

الجمعة 13/10/1421 هـ 5 يناير 2001 هطلت أمطار غزيرة أثناء صلاة المغرب بلغت 30 ملم

4-الصفحة (107/أسفل)

تقرير عن معدل هطول الأمطار من ديسمبر عام 95 م إلى مارس عام 96 م. حيث يُلاحظ أنَّ معدل الأمطار من 15-25 ديسمبر 1995 م قد بلغ 109 ملم

5-الصفحة (108/أسفل)

هنا هطلت أمطار غزيرة في 1 رمضان 1412 هـ الموافق 4/2/1992 م وصفها الوالد بأنه لم يسبق لها مثيل. لم يسجل معدل النزول كعادته، ولكن ليس من طبعه -رحمه الله- المبالغة في وصف الاشياء.

6- الصفحة (105/أسفل)

الأربعاء 14 شوال 1415 الموافق 15/3/1995 م هطلت أمطار غزيرة ومزعجة على قطر بلغت 140 ملم وكذلك 120 ملم على الظهران.

7-الصفحة (104/أسفل)

8-الصفحة (102 /أسفل)

21/11/1413 هـ الموافق 12/5/1993 مـ . هطلت أمطار غزيرة، وهبت رياح شديدة على المنطقة الوسطى أدت إلى توقف حركة الطيران في المطارات من الساعة الخامسة عصرًا وحتى الساعة الحادية عشر ليلا.

9- الصفحة (504/أسفل)

نزول أمطار يوميْ الثلاثاء والأربعاء 23/10/1416 هـ الموافق 12/3/1996 م وصفها الوالد بأنها قوية جدا.

10- الصفحة (605/أسفل)

السبت 4 ذو القعدة 1416 هـ الموافق 23/3/1996 م أمطار مصحوبة بعاصفة برد، بأحجام كبيرة على الرياض، أدت إلى تصدع في السيارات وتكسير في الزجاج.

 

11- الصفحة (717/أسفل)

السبت 22/8/1421 هـ أمطار على المنطقة الشرقية، وعلى أنحاء المملكة سجلت 125ملم في مطار الظهران.

12-الصفحة (186 /أسفل)

الجمعة 14 محرم 1428، استمرار الأمطار من الليلة قبل البارحة مسجلة (33 ملم)

13- الصفحة (616/أسفل)

السبت 2/4/1430 هـ هطلت أمطارٌ غزيرةٌ مصحوبة ببرقٍ ورعدٍ سجلت شرق الأحساء الراشدية، وشراع المقابل الأعلى حيث بلغت 24 ملم

14- الصفحة (531/أسفل)

الخميس 24/3/1428 هـ أمطار غزيرة سجلت 20 ملم

15- الصفحة (252/أسفل)

يوم الخميس والجمعة على التوالي في العاشر والحادي عشر من جمادى الأولى من عام 1432 هطلت أمطار غزيرة على الخبر بلغت 17 ملم.

16-الصفحة (718 /أسفل)

الاثنين 19 جمادى الأولى 1431 أمطار غزيرة على الرياض، ورياح شديدة أعلنت حالةَ الطوارئ، وتوقفت حركة الطيران.

17- الصفحة (180+181/أسفل)

أمطار غزيرة يوم الثلاثاء 8 شوال 1424  استمرت إلى اليوم الذي يليه مسجلة 20 ملم يوم الثلاثاء والأربعاء 33 ملم.

18- الصفحة (183/أسفل)

الأحد 26/11/1427 هـ مطر مستمر، بين رش وخفيف وزخات قوية حيث سجل 50 ملم في يوم واحد.

 

تابع … الماء والأنواء:

 

يا ليلُ الصبُ متى غدهُ    أقيامُ الساعةِ موعِدُهُ

رقدَ السمارُ فأرقهُ           أسفٌ للبينِ يرددهُ

فبكاه النجم ورق له        مما يرعا ويرصده

أبيات من قصيدة (يا ليل الصب متى غده) للحصري القيرواني، كان الوالد يحبها ويرددها بين الحين والآخر.

 

17- عام 2000 م هو عام الجفاف، لم ينزل فيه المطر سوى يوم واحد هو 17 يناير انظر الصفحة (319/أسفل)

18-  الطريق من مكة إلى الأحساء الأحد 29/9/1419 هـ انظر: الصفحة (636/أسفل) بعد أداء عمرة شهر رمضان، أمطار وسحاب مدرار طوال الطريق، أمطار غزيرة متواصلة منذ أسبوع. في منتصف الطريق توقفوا في محطة وسمعوا الناس يتبادلون التهاني بالعيد حينها تأكد لهم أنَّ العيد غدا. استأنفوا السير ووصلوا الأحساء في فجر يوم عيد الأضحى المبارك.

 

19- ظاهرة غريبة، أمطار غزيرة في فصل الصيف على المجمعة والحريق:

21 شعبان 1431 الموافق 2/8/2010 مـ نزلت أمطار غزيرة في فصل الصيف على المجمعة والحريق، انظر: الصفحة (911/أسفل).  وبعد يومين بتاريخ 23 شعبان من نفس العام الموافق 4/8/2010 هطلت أمطارٌ على جنوبِ الهفوف، وأمطار غزيرة على العضيلية.

20-   26 ذو الحجة 1430 الموافق 13/12/2009 مـ نزلت أمطار غزيرة سجلت 28 ملم. انظر: الصفحة (714/أسفل).

21-  الثلاثاء 4 محرم 1433 الموافق 29/11/2011 مـ نزول أمطار غزيرة على جميع أنحاء المملكة بلغت 20 ملم. انظر: الصفحة (760/أسفل).

22-  حالة مطرية على الأحساء والشرقية بدأت في 5/3/1427 هـ، انظر الصفحات (12،13،14/ أسفل) واستمرت لأربعة أيام.

23- السبت غرة شوال عيد الفطر عام 1425، نزول أمطار قوية على الأحساء وجنوب الهفوف سجلت 6 ملم. انظر: الصفحة (109/أسفل).

24- الأحد 5/11/1427 هـ نزول مطر متوسط، سجل 15 ملم جعله الله أمطار خير وبركة. انظر: الصفحة (209/أسفل).

 

ش- (صلاة الميت على ماء الحياة)

بعد سنوات طويلة من الرصدِ والقياسِ لبداية انحسار منسوب المياه في الواحة في الرابع والعشرين من ذي القعدة عام 1414 هـ، وبكل أسى نعى الوالد ينابيع الأحساء (انظر: أسفل) التي ظلت تتدفق، وتدفع بالمياه في الأنهار طوال العام بلا توقف. على إثر ذلك اضطر المسؤولون إلى إسقاط مضخات عملاقة في جوف الينابيع بعد أن غارت مياهها، وفقدت القدرة على دفع الماء ذاتيًا. فمن حق الوالد أن يقلق ويتألم على فقدان ينابيع لم تتوقف منذ آلاف السنين إلا في هذه اللحظة المأساوية، الجديرة بأن تكون عبرة لهذا الجيل، الذي كان شاهدًا على نضوب المياه، وأيضًا، ضحية لتبعاتها البيئية من تغير في المناخ واختلال في التوازن البيئي في أقدم واحة طبيعية في العالم. اليكم هذا التقرير :

 

سابعاً: الكتاب خير أنيس:

بمجرد أن انطلقت فكرة (مجلة العربي) عام ٥٨ م وصدر العدد الأول في ديسمبر من نفس العام، أبدى الوالد اهتماماً وحرصاً شديداً بها، فلا غرو في ذلك، فقد كان شغوفاً بالعلم والمعرفة، فوجد في هذه المجلة الرصينة ضالته؛ لذلك بادر باقتنائها منذ صدور العدد الأول إلا أنني لم أعثر إلا على العدد الخامس (الأول من اليمين) والذي صدر في أبريل من عام ٥٩ أي بعد مرور أربعة أشهر على صدور العدد الأول من المجلة. فعلى الرغم من أن الاتصال والتوزيع في الخمسينيات كان يمثل تحدياً كبيرً، إلا أن هذه المجلة تستحق كل الثناء والإعجاب ليس على قدرتها في اختيار الموضوعات فحسب بل أيضاً على قدرتها الفائقة في التوزيع والذي كان في ذلك الوقت في غاية الصعوبة.

 

من الملاحظ أن سعر شراء (العدد الخامس) كان بالروبية الهندية، أي أن هذا العدد قد صدر قبل استقلال الكويت عام ٦١ م وقبل إصدار العملة الكويتية. بينما استمرت المجلة في التعامل بالروبية حتى أواخر الستينيات بالنسبة إلى دول الخليج العربي باستثناء السعودية والكويت كما هو مبين في (العدد ٨٧) من عام 66 م (الأول من اليمين في الأسفل) وكانت تباع بعملات أخرى منها الريال بالنسبة للسعودية والفرنك في حالة تونس والمغرب والدينار للكويت والعراق، أما اليمن فكانت عملتها الشلن وهذا يضيف أعباء إضافية وتحدياً آخر بالنسبة للمجلة من الناحية المالية من جهة، وضبط أسعار الصرف من جهة أخرى.

نشأت المجلة في حقبة تاريخية في غاية التعقيد، وفي زمن يعج فيه العالم العربي بالخلافات، متخماً بالتيارات، وبالأحزاب المتطاحنة، بينما بقيت هي نجمة مضيئة هادئة متجلية في قطعٍ من الليل البهيم. فإذا كانت العربي تثري الفكر والعقل من خلال طرحها غير المهني والموسوعي، فإن صدورها واستمرارها يشكل تحدياً مثيراً للدهشة …! فهي أولا وأخيرا مجلة حكومية تصدر عن وزارة الإعلام الكويتية، وفيها كُتَّاب من أشهر مثقفي العالم العربي ينتمون إلى عقائد فكرية مختلفة من أمثال طه حسين، والعقاد، ونزار، وفاروق شوشة وغيرهم، وتُطرح فيها قضايا في الفكر واللغة والشعر، وفي الاستطلاعات والمستقبليات والقصص والمسابقات. مع كل هذا تمكنت العربي من النأي بنفسها عن كل هذه التيارات المتصارعة من قومية وبعثية وغيرها وعن كل ما يشوب علاقتها بأي من تلك التيارات. فبلا شك لم تكن بعيدة عن عين الرقيب لكنها حافظت على درجة عالية من ثقة القارئ العربي بوجه عام.

ولو حاولت أن تبحث في إعلامنا العربي مثيلاً لمجلة العربي من حيث الموسوعية والتوازن في الطرح لما وجدت. بل إنها سبقت عصرها بمراحل، فتجد -في أعدادها الأولى- رئيس تحريرها الدكتور أحمد زكي يتحدث في مقال عن الفضاء والأقمار الصناعية وعن دوران القمر الروسي حول الأرض لأول مرة ثم تجد عباس محمود العقاد في مقال له عن حضارة العالم، وأن أسماء أيام الأسبوع من وحي الحضارة العربية. أما شيخ أدباء لبنان مارون عبّود، فيُعنون مقالَه بــ (الأدباء الشبان يخربشون … ذهبت النعامة تطلب قرنين فعادت بلا أذنين). زخم ثقافي في زمن كانت الثقافة العربية ما زالت تحبو.

تحتل مادة الاستطلاع الصدارة في موضوعات العربي وغالباً ما تكون صورة الغلاف قد التقطت بعدسة مصور محترف، ولا يمكن مقارنة صور العربي بصور المجلات الأخرى من حيث النقاء واحترافية التصوير. ولو اطلعت على العدد الأخير من المجلة، لوجدت أن شيئاً لم يتغير من حيث الطرح والأسلوب ومهنية العمل الصحفي.

بجانب متابعته للمجلات كان -رحمه الله- مهتما أيضا بقراءة الكتب، فعلى سبيل المثال الكتاب الشهي (العقد الفريد) لأبي عمر بن محمد ابن عبد ربه الأندلسي نسخة عام 1949 م (انظر: أقصى اليسار من الأسفل) قيمته في ذلك الوقت 10 ريالات من مكتبة التعاون في الهفوف، أي ما يعادل حينها 5% من المرتب الشهري للوالد …! كأن يُقال لك اليوم: “اشتر كتابًا بـــــــ 500 ريال وراتبك 10000 ريال …!” وقد كتب على الصفحة الأولى من الكتاب العبارة المبينة في أعلى الصفحة من اليسار (لقد وقع هذا الكتاب النفيس في حوزة الفقير إلى الله)

أما كتاب (من وحي القلم) للرافعي، طباعة سنة 1954 مـ فقد كتب في مقدمته بأن هذا الكتاب هدية من الطالب صلاح بن أحمد الموسى.

مجلة (الهلال المصرية) يحتفظ الوالد بنسخة عام 72 هـ، بمجرد الاطلاع على عنوان المقدمة، نحو حياة جديدة، تكتشف كيف كان سقف الآمال والتوقع مرتفعًا إبان قيام الثورة المصرية.

ثامناً: وثائق ومن ادب الرسائل :

حفظ الأوراق والوثائق من خصال الوالد -رحمه الله- منذ الصغر، يحتفظ بوثائق وكتب ومجلات ورسائل تكمن أهميتها بعد مرور الأيام وكرّ السنين. احتفظ -رحمه الله- برسائل من أصدقائه قبل 70 عامًا، ومن إخوانه في أوائل الستينيات الهجرية، ومنا نحن أبنائه عندما كنا مبتعثين في الخارج، بل ورسائل من أبنائنا الصغار وجدناها من بين أوراقه.

 

أ-الوثيقة الاولى من اليمين:

تذكرة نفوس، أي بطاقة أحوال للجدة حبيبة عبد الله الغردقة صادرة عام 1360 هـ، أما تاريخ الميلاد فكان عام 1330 هـ، حسب ما ورد في الوثيقة. والشيء الذي لفت انتباهي هو نوعية الورق الفاخر بالإضافة إلى الطوابع والختم. تلاشت بعض ملامح الكتابة بفعل القدم، ولكني استطعت قراءتها عن طريق مُكبْر.

 

ب-رسالة أحمد بن عبد الله الفويرس:

رسالة بعث بها إلى الوالد على ورق خاص طباعة، كُتب عليها اسم صاحبها بالعربي والإنجليزي وأيضا (كويت – بلاد العرب) وباللغة الإنجليزية (KUWAIT ARABIA) مما يدل على أن تاريخ هذه الرسالة يعود إلى ما قبل عام 1961 م، أي قبل استقلال الكويت. أما صاحب الرسالة فكان تاجرا، ووجيها يقيم في الكويت ومن عائلة الفويرس الكريمة الموجودة في المبرز، التي تربطنا بهم علاقة جوار وصداقة قديمة.

 

ت-الوثيقة الثالثة من اليمين:

وصية الجدة لولوة بنت صالح بن أحمد الموسى يعود تاريخها إلى عام 1354 هـ، توصي بثلث مالها وقفا لها على يد بنت ابنتها نورة بنت صالح بن عبد الرحمن الموسى.

 

ث-رسالة الدكتور راشد بن عبد العزيز المبارك في تأبين الشيخ محمد بن احمد الموسى: رسالة من ثلاث صفحات (انظر: 1، 2، 3 /أسفل) يعزي الدكتور راشد فيها كل من أحمد وعبد العزيز في وفاة والدهما العم الشيخ محمد بن أحمد الموسى. بطبيعة الحال هذه رسالة تأبين غير عادية، ومن شخصية غير عادية ومن الرسائل التأبينية النادرة من حيث قيمتها الأدبية ومشاعرها الصادقة التي تعززها العلاقة الحميمة، التي كانت بينهما. فالمؤبِن والفقيد كلاهما من القامات التي شهد لها القاصي والداني. كما أنَّ صاحبَ هذه الرسالة عالم في الفيزياء، وأديب فيلسوف كريم، له أيادي بيضاء وناصعة في السعي لقضاء حوائج الناس وفي التفريج عن كربهم. أما الفقيد فهو الشيخ محمد بن أحمد الموسى رجل الدولة الوجيه الذي نال كرامة الشيوخ وهيبتهم منذ صغر سنه.

إن رسالة الدكتور راشد عبارة عن تحفة أدبية، تستحق أن تكتب بماء الذهب وقد استهلها بعمق الجرح واتساع الأسى، ثم بدأ المقدمة بالعبارة التالية (إن الرزء -أي المصيبة- ليس في أهله وعشيرته فقط لكنه رزءٌ لبلده وقومه ووطنه وثكل لكل من عرفه وألفه وعرف عنه ومنه كمال الرجولة وتدفق البذل وشمم الأخلاق والطباع) وقبل أن ينتقل إلى الصفحة الثانية من الرسالة يختم الأولى بهذه العبارة بكلامٍ فيه نور إلهي (أواه!! ما أشد فجيعة ذي إحساس بالثُكل في عزيز يجد فيه كُل أو جُل صفات الإنسان في خصائصه المشروطة والمتمناه) وفي الصفحة الثانية استعان -رحمه الله- بقريحته وأنشد بهذه الأبيات (فلو كان يفدى هالك لافتديته …بما لم تكن لنفوس عنه تطيب…بعيني أو إحدى يدي وخلتني… أنا الكاسب الجذلان حين أؤوب) ثم ختم رسالته مخاطبا أولاده وأحفاده (وأنتم أيها الأخوة والأحبة من أولاده وأحفاده إني لأجزع أن أقول : “وما كان قيس هلكه هلك واحد … ولكنه بنيان قوم تهدما”، ذلك أني أثق تمام الثقة، ويشاطرني ذلك المحبين لك وله والعارفون بكم وبه أنَّ بنيانا خلفه من كريم الصفات لن يتهدم وأنتم ورثته)

 

ج- رسالة عبد الرحمن بن حسين الكويتي:

الصفحات (أ، ب، ج/أسفل) يعود تاريخ هذه الرسالة الى الثامن من شعبان عام 1366 هـ الموافق الثلاثين من يونيو عام 1947 يخاطب فيها العم الشيخ محمد بن أحمد الموسى بمناسبة زيارة مدير المعارف للأحساء. من الواضح أن صاحبَ الرسالة على علاقة وثيقة بالشيخ محمد، ويعرف أن كلمته مسموعة لدى أصحاب القرار، وهذا ما دفعه إلى توجيه الرسالة. أيضا تدل دلالة واضحة بأن صاحبها كان متعلماً ومثقفاً وانتقل من الأحساء واستقر في الكويت وصار يسميها الوطن الجديد. ولربما اسم عائلته الكويتي هو في الأساس لقب أُطلق عليه بسبب إعجابه بالكويت، ثم تحول مع الوقت وصار اسماً للعائلة. كان الرجل يصف بداية النهضة التعليمية في الكويت، وأيضا يبدي تأسفاً على الحالة التي وصل إليها التعليم في الأحساء إلى الحضيض على حد وصفه. وقد ذكر أن في الكويت 17 مدرسة منها 4 مدارس للبنات والباقي بنين، وقد استعانوا بمعلمين من مصر وانتقد معارضة أهل الأحساء لتعليم أبنائهم من قبل معلمين من دول عربية أخرى. كما أشار في سياق رسالته بأن هناك 56 مبتعثًا كويتياً في مصر، وأن أحد أقاربه عُيّن رئيساً للبعثة هناك. هذه الرسالة تؤرخ لبدايةِ التعليم في الكويت، والذي بدأ في وقت مبكر مقارنة بالأحساء، التي سبق التعليم فيها مناطق عدة في المملكة بما فيها الرياض. بينما لو قمت بعمل مقارنة بين الكويت والسعودية الآن لاكتشفت أن البداية المبكرة للتعليم في الكويت لم تهب الكويت أي ميزة…! في الحقيقة رسالة هذا الرجل جديرة بالاهتمام لكونها تناولت موضوع التعليم في حقبة من الزمن لم يكن أحد يتوقع تلك النتائج المغايرة تماما لما ستؤول إليه الأمور في البلدين مستقبلاً.

 

ح-رسالتان من أهالي الأحساء:

الرسالة الأولى (انظر: 30/أسفل) من أهالي الأحساء إلى الإمام عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل ملك الحجاز ونجد وملحقاتها في 16 جمادى الأولى 1350 هـ، مطرزة بالأختام الخاصة بالموقعين عليها. أما الرسالة الثانية (انظر: 31/أسفل) التي يعود تاريخها إلى 27 جمادى الأولى من عام 1373 ذُكر فيها عدة مطالبات من ضمنها المطالبات ببناء جدار ساتر للحريم في عين الحارة.

 

د- رسالة ظريفة (انظر: الصفحة 277/أسفل) موجهة للوالد من أخيه الأصغر عبد الوهاب والذي كان يكنى آنذاك (أبو سمير):

يعود تاريخ هذه الرسالة اللطيفة الى 26/8/1382 هـ بخط يد العم عبدالوهاب الذي كان يكنى (أبو سمير) موجهه إلى أخيه الأكبر (الوالد) حينما انتقل من الأحساء إلى الدمام بغرض الدراسة في المعهد الصناعي. وهي عبارة عن رسالة تهنئة للوالد بقدوم شهر رمضان ولكن بها حبكة هزلية كتبها (ابو سمير) بعفوية ممازحاً أخاه الذي كان يأنس ويطرب لأقواله وأفعاله المرحة. فلا غرابة (أبو سمير) رجل خفيف ظل جُبل على حس الدعابة منذ الصغر وله بصمة من الفكاهة في أي مناسبة أو موقف. يقول في الرسالة مخاطباً أخاه الأكبر الوالد: “أخي إنني حينما أسمع بذكر رمضان تدق في قلبي أجراس الذكريات …! التي كنا حينها نأكل تلك الوجبات التي مبدؤها البروتين والفيتامين، والتي أساسها النشويات والسكريات وغيرها … إنني حينما أتذكر تلك الصحون المختلفة الألوان، أسرح برهة من الزمن …! لأقول لك عقبى ألف سنة -إن شاء الله- ونحن في ازدياد وبسلام. ذكريات يخلدها التاريخ بذكرى ألوان الطعام، حمدا لله على ذهابي إلى الدمام لأنني العدو الوحيد لتلك الصحون، ونحمد الله على سفري، أخي إنني لم أجد في الكون أو بالأحرى فوق قشرة الكرة الأرضية مثلك شبيه، فكلامك غذاء ورؤيتك تزيد القلب بهجة وسرور، ومشيتك دقات ساعات أو خطوات غزال شارد، وشكرا لمن خلقك.  أخي انا زودتها شوي ما تأخذنيش …! من مدرسة الحديد والنار ومن قسم السيارات قسم السرعة والحوادث أكتب اليك مع نسيم الليل، راجيا من المولى أن تصلك وأنت وأبناؤك صغيرا وكبيرا بخير …”.

 

ذ- الوثيقة (انظر: 417/أسفل) يعود تاريخها إلى 1276 هـ:

تتحدث هذه الوثيقة عن قسمةٍ، ذُكر فيها أن عبد الله وعبد اللطيف أبناء سالم الموسى كانا قد حضرا قسمة في ذلك التاريخ.

 

ر- رسالة من ناصر بن جاسم العواد من الزبير  (والدته هي نورة سليمان الموسى) :

يعود تاريخ هذه الرسالة (937) إلى 14/2/1375 هـ مرسلة من ناصر بن جاسم العواد من الزبير موجهة إلى العم علي بن حسين الموسى رحمة الله عليه. والدة ناصر هي نورة بنت سليمان الموسى. سألت أخي عبد الوهاب فذكر لي أن العمة نورة بنت علي الموسى -حفظها الله- قالت إنها تتذكر بأن ناصر قدم إلى الأحساء لزيارة أقاربه من عائلة السويلم المعروفين في الأحساء وأن ناصر اتصل بالعم علي بن حسين الذي استضافه في منزله وأنه سأل نورة -زوجة ناصر- من أي من الموسى أنت، فاستنكرت السؤال قائلة: “من أي من الموسى” وهو استنكار تأكيدي بأنها بلا ريب من نفس عائلتكم الموسى.

 

ز-رسالة من العم عبد العزيز إلى الوالد يعود تاريخها إلى 10/6/1381 هـ:

في هذه الرسالة (انظر: 452/أسفل) يبارك فيها قدوم مولود لأخيه العم صالح وأيضا يبارك له الالتحاق بشركة أرامكو. كما يبارك افتتاح مدرسة للبنات ومن ناحية أخرى يسأل عن أخي عبد الله إن كان قد دخل المدرسة؟

 

ض-رسالة محمد بن عبد اللطيف العفالق (أبو منذر) إلى الوالد 22/3/1385 هـ:

في هذه الرسالة (انظر: 748/أسفل) كان (أبو منذر) طالبًا في معهد الإدارة في الرياض وكان حينها قلقا على الحالة الصحية لأخيه علي، ويطلب فيها من الوالد أن يطمئنه عليه. وأبدى (أبو منذر) عدم ارتياحه للمعاملة التي يتلقونها من المعهد. كما تضمنت الرسالة سلامًا للأصدقاء، وأيضا ملحوظة مهمة وهي: لقد بدأ تلفزيون الرياض في بث برامجه، التي تتألف من رجال الدعوة ومن في حكمهم يقومون بتقديم بعض الطرائف والأحاديث عَمّا جرى لبني إسرائيل …!

 

ط- الوثيقة (انظر: 817/أسفل) رسالة من العم صالح إلى أخيه الوالد يعود تاريخها إلى عام 20/10/1370 هـ، يستفسر فيها عن أحوال الأملاك وبيع الثمر ويتحدث فيها عن حَرٍّ شديدٍ غير مسبوق في القطيف حيث كان يعمل في اللاسلكي آنذاك.

ي- العم عبد العزيز بن عبد اللطيف بن عبدالعزيز الموسى : الصورة اسفل (534)

كان رجلاً كريماً وجيهاً محباً لناس، عُرف بطلاقة اللسان وسلامة المنطق، وكان من الشخصيات البارزة في المجتمع ويتمتع بقبول سواء لدى من يعرفه ام لا. اصابه مرض السل وعانا منه طويلاً وسافر الى لبنان بغرض العلاج ولكن لم يمده الله بالعمر وتوفي وهو لم يبلغ الاربعين من العمر. له العديد من الرسائل ( الرسالة اسفل 545+536) بينه وبين الوالد الذي كان احد اصدقائه المقربين، كذلك كانت له علاقة وطيدة مع الجد صالح بن محمد الكثير .. رحمه الله تعالى واسكنه فسيح جناتة.

 

1- خطاب في سنة 1376 هجريه من الخال محمد بن صالح الكثير الى مدير بلدية الخبر (انظر الخطاب 957/اسفل)

يطلب الخال في هذا الخطاب شراء ارض بلدية في شمال الخبر بسعر المتر قرش واحد وهو السعر الذي حددته البلدية آنذاك. اما موقع الارض فهو الخبر الشمالية والتي تعتبر عين الخبر الان وسعر المتر فيها تجاوز عدة الاف. الزمن والنفط اذا اقترن بالحكم الرشيد كفيل بخلق المعجزات.

 

2- دليّل بنت غالب اللزيزية تهب املاكها للوالد واخوته (انظر : الوثيقة 1602 / اسفل)

في شهر رجب من سنة 1377 هجريه وهبت دليّل بنت غالب (خالة ام الوالد) املاكها للوالد واخوانه.

 

3- خطاب الشيخ محمد العبدالقادر الى الامير سلطان بن عبدالعزيز بخصوص نقل العم عبدالعزيز الى الاحساء (انظر : الخطاب 1603/اسفل)

في سنة 1383 هجرية كتب الشيخ محمد بن عبدالله العبدالقادر قاضي المبرز آنذاك خطاب الى الامير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع يطلب فيه نقل العم عبدالعزيز من تبوك الى الاحساء لكونه قد تربى في حجر خالتة دليّل بنت غالب وهي لا تطيق فراقه وشهد على ذلك كل من العم احمد بن صالح الموسى وسعد بن حويله العجمي.

كتاب الشيخ عبد اللطيف بن محمد العفالق:

كتيب صغير في الأنساب ألفه الشيخ عبد اللطيف العفالق بخط يد الشيخ صالح بن عبد الله العفالق.

 

 

 

تاسعاً: أيام لا تنسى:

ألا يا زمانٍ فات بالأنس والصفا       أهلٍ لي من بعد ذا الفوت عوّادي

 

هذه الصفحات تحتوي في الأساس على أحداث ومناسبات فيها أفراح وأتراح. كما تجد في كل صفحة منها بعض الهوامش عن الأجواء والأنواء، مؤرخة بالتاريخ (الهجري والميلادي والهجري الشمسي) تتناول أمورًا متعددة حسب ما تمليه عليه خواطره في تلك اللحظات. كما تجد موضوع فلسطين وثورة الحجارة يتردد في العديد من الصفحات؛ نظراً لاهتمام الوالد -رحمه الله- بفلسطين وحقوق الشعب الفلسطيني.

 

تابع … أيام لا تنسى …

أ- مستشفى الموسى-
الصفحتان (805-806 /اسفل) الاثنين 2/6/1417 هـ يؤرخ فيها الوالد الاحتفال بافتتاح مستشفى الموسى، حيث عايش الوالد قصة نجاح هذا المشروع منذ بدايته لحظةً بلحظة وكان يُلحُ في الدعاء لإبن العم الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله الموسى في كل مرة يُذكر فيها اسم المستشفى او يمر هو من ناحيته. كان هذا الانجاز عظيم في عينه عميق في وجدانه ويرى ان الذي شيّد هذا الصرح ورفع لبناته الأُول الواحدة تلو الاخرى يستحق الثناء والعرفان على هذا الانجاز الذي اصبح فيما بعد أيقونةً تزيّن مدخل الاحساء وشاهداً على قصة نجاح وكفاح اساسها البذل والعطاء ابتعاء مرضاة الله. وقد شاءت العناية الالاهية ان يودع الوالد الحياة الدنيا مُسجّى على احد السُرُر في هذا المكان الذي كان على الدوام يرعاه ويرقبه.

 

ب-حريق هائل في سوق القيصيرية التاريخي في الهفوف –

الصفحة (101/اسفل) الخميس 2/8/1422 هـ اندلع حريق هائل في سوق القيصرية التاريخي في الهفوف عجز الدفاع المدني عن اطفائها بسبب ضعف الامكانيات واستمرت النار تشتعل لمدة 30 ساعه حولت السوق الى انقاض وتقدر الخسائر بحوالي 200 مليون ريال اغلبها بضائع استعدادا لشهر رمضان والعيد حيث احترقت بضائع 500 دكان ولكن المؤسف ان الاعلام تجاهل هذه الكارثة والخسائر التي نجمت عنها من اموال وضياع ثراث لمعلم تاريخي.

يتبع: أيام لا تنسى …

لقيت نفسي في عز جفاك        بفكر فيك وأنا ناسي

 

أ- براءة اكتشاف للدكتور عبد الرحمن عبد الهادي السلطان:

الصفحة (388/أسفل) الأربعاء 10/5/1429 هـ، براءة اكتشاف للدكتور عبد الرحمن عبد الهادي السلطان لأربع جينات جديدة عزلت من مرض السكري شرقي المملكة.

 

ب- هطول أمطار غزيرة وسيول على مِنى، ومكة المكرمة:

الصفحة (959/أسفل) 12/12/1425 هـ ثاني أيام التشريق، هطلت أمطار غزيرة وسيول؛ لدرجة أنَّ رجال الدفاع المدني أجبروا الحجاج بالتوجه إلى مكة. هذا وقد أفتى العلماء بسقوط شعيرة المبيت بمنى وقد تضرر الكثير من المفترشين الأرض وجرفت السيول البعض منهم.

ج- السبت 17 محرم 1426 (276/أسفل) انتقل إلى رحمة الله تعالى كل من الشيخ حسن العفالق والشيخ ناصر بن زرعة، وسيوارى جثمانهما الثرى غدا الأحد.

د- في الثامن من صفر عام 1427 توفي العم الشيخ عبد الرحمن بن الشيخ عبد الوهاب الموسى، وفي 12 من الشهر نفسه، توفي العم الشيخ أحمد ابن الشيخ محمد الموسى وفي 18 من الشهر الذي يليه توفي العم عبد العزيز بن عبد الوهاب الموسى. انظر إلى الصفحات (17،18،19 /أسفل)

هـ – الرابع من شوال 1424هــ  انظر الى الصفحة (625/أسفل) وضع الأمير سلطان بن عبد العزيز حجر الأساس لمركز القلب في الأحساء، كما افتتح رسمياً مركز الكلى، المنشأ من قِبل عبد العزيز ومحمد وعبد اللطيف الجبر، وافتتح أيضا مستشفى العيون والأورام في الخبر المؤسس ايضا من قبل الجبر الآنفي الذكر. جزاهم الله أفضل الجزاء.

 

 

 

يتبع: أيام لا تنسى …

أ- محمد ابن الشيخ عبد اللطيف العفالق (أبو منذر)

بهذه العبارات نعى الوالد صديقه (أبو منذر) بالصديق الوفي، صديق الطفولة والصبا والشباب والشيخوخة.  (انظر: الصفحة 686/أسفل)

 

 

عاشراً: السفر:

يا عروس الروض يا ذات الجناح يا حمامة      سافري مصحوبة عند الصباح بالسلامة

 

كان الوالد يحب السفر بوجهٍ عام، ويحث الناس عليه ليس لمجرد الترويح عن النفس، بل كان يرى بأنه من الممكن أن يكون علاجًا. لبنان والقاهرة كانتا الوجهتين المفضلتين عنده. حتى عندما مرضت أمي في عام 79 م سافر لأجلها مع العائلة إلى القاهرة، وعادت أمي سليمة معافاة، ولم يكشف عليها طبيب. له رفقاء سفر ينتمون إلى شلل مُتعددة غالبا ما يكون هو العامل المشترك بينهم. كاميرا التصوير وسجل كتابة اليوميات هما الشيئان اللذان لا ثالث لهما سوى جواز السفر. ومن محاسن الصدف أن صديقه الحميم هو الخال محمد العفالق، ورفيقه في السفر هو مدير الجوازات في الأحساء كما تلاحظ في المرفق (45/أسفل) كما هو الحال مع إبراهيم الصويغ وعبدالله المغلوث (انظر: 46/أسفل)

أ- السفر الى حائل :

ب- في رحاب البيت العتيق :

غنيتُ مكةَ أهلُها الصِّيِدا           والعيدُ يملأُ أضلُعي عيدا

– في الطريق من مكة.  (انظر: الصفحة 636/أسفل)

غادرنا البيت الحرام بعد صلاة العشاء في التاسع والعشرين من رمضان متجهين إلى الأحساء، ظانين أنَّ العيد بعد غدٍ، ولكن بعد ثلاث ساعات توقفنا في محطة وقود على الطريق وسمعنا الناس يتبادلون تهاني العيد. واصلنا السير والأمطار تنهمر بغزارة حتى وصلنا الأحساء فجر يوم العيد.