هدية الإنجليز للعالم
الشيء الوحيد الذي وجدته مشتركا بيني وبين الإنجليز كضابط بحري، هو أن الشعب الإنجليزي من أكثر شعوب العالم تعلقًا بالبحر. فإن صحَّ هذا الرأي، فَهُم مجتمع بحري بامتياز. معظمهم لديهم دراية بأساليب الإبحار، وأنواع السفن المختلفة. ساعدني هذا الأمر في بناءِ علاقات مع الكثيرين. كما أنَّ هواية القوارب الشراعية متجذرة في نفوسهم؛ إذ في بعض المناطق تنافس الكريكيت.
على النقيض من الشعب السعودي الذي يتصور بأنَّ العمل في البحرية له علاقة بصيد السمك …! بل إنَّ أحد الإنجليز استغرب عندما قلتُ له بأن الشباب السعودي يفضلون الطيران على البحرية …! على اعتبار أنَّ القوات البحرية في بريطانيا تحتلَّ المرتبة الأولى بين أفرع القوات المسلحة لديهم. فلا غرابة أن تحتل البحرية البريطانية مكانة مرموقة بين الناس؛ لارتباطها الوثيق بمصالحهم المباشرة خصوصًا إبان عهد الإمبراطورية البريطانية، عندما كانت مهمتها الرئيسة هي حماية قوافلَ من السفن التجارية محملة بسلعٍ مصنعة في بريطانيا قد تم الاستيلاء على موادها الأولية من مستعمرات لتجد طريقها إلى الأسواق حول العالم. أي أنَّ فكرة الإمبراطورية في أساسها لم تكن تهدف إلى احتلال الأراضي أو إذلال الشعوب بل هي عبارة عن مشاريع تجارية محضة. هم تجار أبناء (جون بول)؛ لذلك عندما فشلت تلك المستعمرات في تحقيق الأرباح المنشودة فشلت فكرة الإمبراطورية وانهارت برمتها.
بالطبع كان هنالك مشاريع ثقافية، وتبشيرية مُصاحبة كانت تُمَهِّد الطريق؛ لتمدد الإمبراطورية، لكن جهابذة الإمبراطورية كانت أعينهم منصبة على المال، ولا غير المال. انتهى كل شيء ولم تعد بريطانيا عظمى، بل مجرد دولة -قوية نسبيا- في شمال أوروبا. وعلى الرغم من كل خطاياهم التي لا تُحصى في حق الشعوب يفتخر الإنجليز بأنهم قدموا للعالم هدية ثمينة وهي لغتهم الإنجليزية؛ لكي يتحدث بها شعوب العالم عوضًا عن لغتهم الأم…! وأيضًا توقيتًا عالميًا اسمه (GMT) مع ذلك الإنجليز أنفسهم يعترفون بأنَّ اللغة الإنجليزية لم تعد ملكًا لأحد بل للعالم أجمع. بإمكان أي شخص في العالم إضافة كلمة تحمل المعنى الذي يريده؛ بشرط أن يتم تداولها، بمعدل يتوافق مع المعايير التي وضعها مركز قاموس أكسفورد التابع لجامعة أكسفورد. علمًا بأن هذا المركز يُخضِع أكثر من ثلاث الاف كلمة سنويًا؛ للاختبار بهدف إضافتها للقاموس.